وعبر ـ سبحانه ـ عن عمل الإنسان بطائره ، لأن العرب كانوا ـ كما يقول الآلوسى ـ يتفاءلون بالطير ، فإذا سافروا ومر بهم الطير زجروه ، فإن مر بهم سانحا ـ أى من جهة الشمال إلى اليمين ـ تيمنوا وتفاءلوا ، وإن مر بارحا ، أى : من جهة اليمين الى الشمال تشاءموا ، فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر ، استعير استعارة تصريحية ، لما يشبههما من قدر الله ـ تعالى ـ وعمل العبد ، لأنه سبب للخير والشر (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فِي عُنُقِهِ) تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط بين الإنسان وعمله.
وخص ـ سبحانه ـ العنق بالذكر من بين سائر الأعضاء ، لأن اللزوم فيه أشد ، ولأنه العضو الذي تارة يكون عليه ما يزينه كالقلادة وما يشبهها ، وتارة يكون فيه ما يشينه كالغل والقيد وما يشبههما.
قال الامام ابن كثير : وطائره : هو ما طار عنه من عمله كما قال ابن عباس ومجاهد ، وغير واحد ـ من خير أو شر ، يلزم به ويجازى عليه : كما قال ـ تعالى ـ : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
وكما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره : ويكتب عليه ليلا ونهارا ، صباحا ومساء (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) بيان لحاله في الآخرة بعد بيان حاله في الدنيا.
والمراد بالكتاب هنا صحائف أعماله التي سجلت عليه في الدنيا.
أى : ألزمنا كل إنسان مكلف عمله الصادر عنه في الدنيا ، وجعلناه مسئولا عنه دون غيره. أما في الآخرة فسنخرج له ما عمله من خير أو شر «في كتاب يلقاه منشورا» أى : مفتوحا بحيث يستطيع قراءته ، ومكشوفا بحيث لا يملك إخفاء شيء منه ، أو تجاهله ، أو المغالطة فيه.
كتاب ظهرت فيه الخبايا والأسرار ظهورا يغنى عن الشهود والجدال.
كتاب مشتمل على كل صغيرة وكبيرة من أعمال الإنسان ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَنَضَعُ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٣١.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٤٧.