بطريق التفضل .. (١).
وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
فقوله ـ تعالى ـ : (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) يعود إلى الليل. وقوله ـ تعالى ـ : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعود على النهار.
ثم بين ـ سبحانه ـ حكمة أخرى ونعمة أخرى لجعله الليل والنهار على هذه الهيئة فقال : (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ).
أى : وجعلنا الليل والنهار على هذه الصفة من التعاقب والاختلاف في الطول والقصر لتعرفوا عن طريق ذلك عدد الأيام والشهور والأعوام ، التي لا تستغنون عن معرفتها في شئون حياتكم ، ولتعرفوا ـ أيضا ـ الحساب المتعلق بها في معاملاتكم ، وبيعكم وشرائكم ، وأخذكم وعطائكم ، وصلاتكم ، وصيامكم ، وزكاتكم ، وحجكم ، وأعيادكم .. وغير ذلك مما تتوقف معرفته على تقلب الليل والنهار. وولوج أحدهما في الآخر.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً).
والتفصيل : من الفصل بمعنى القطع. والمراد به هنا : الإبانة التامة للشيء بحيث يظهر ظهورا لا خفاء معه ولا التباس.
ولفظ (كُلَ) منصوب على الاشتغال بفعل يفسره ما بعده.
أى : وفصلنا كل شيء تحتاجون إليه في أمور دينكم ودنياكم ، تفصيلا ، واضحا جليا ، لا خفاء معه ولا التباس ، فقد أقمنا هذا الكون على التدبير المحكم ، وعلى الصنع المتقن ، وليس على المصادفات التي لا تخضع لنظام أو ترتيب.
ثم ساق ـ سبحانه ـ صورة من صور هذا التفصيل المحكم في كل شيء فقال ـ تعالى ـ : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ).
والمراد بطائره : عمله الصادر عنه باختياره وكسبه ، حسبما قدره الله ـ تعالى ـ عليه من خير وشر.
أى : وألزمنا كل إنسان مكلف عمله الناتج عنه ، إلزاما لا فكاك له منه ، ولا قدرة له على مفارقته.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٣٠.