المباركة ، فسنجد
أن النقطة الحساسة والمركزية ، التي تتمحور حولها الآيات الشريفة في هذه السورة ،
هي النشأة الطبيعية للإنسان في مسيرته التكاملية نحو الله سبحانه ، وهي المسيرة المنسجمة
مع هذا الخلق كله ، بما أودع الله فيه من استعدادات وطاقات ، محاطة بالرعاية
الإلهية من البداية إلى النهاية : (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)؟!
..
فقد خلقه الله
تعالى من نطفة أمشاج اقتضت ابتلاء ، ينتج رهافة في السمع ، وحدّة وقوّة في البصر ،
ليكون إنسانا مدركا وواعيا ، بل في منتهى الإدراك والوعي (سَمِيعاً ، بَصِيراً)
..
وقد أحاطه تعالى
بأنواع من الهدايات ، ليس فقط على سبيل الإشارة والدلالة ، بل أعطاه أيضا :
الهداية التكوينية ، والإلهامية ، والفطرية ، والحسية ، والوجدانية ، والعقلية
والشرعية ، لكي لا يضل عن الصراط المستقيم. وتفضي به إلى السبيل الواضح (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ)، فلا أصح ولا أصوب ، ولا أقرب إلى الهدف منه ، وبذلك أصبحت
الحوافز كلها متوفرة لديه ، وتفرض عليه أن يلتزم بهذه الهدايات العظيمة.
فالآية الشريفة قد
ركزت على هذا السير الطبيعي للإنسان ، وأكدت على بيان حالاته ، وخصوصياته ،
وأجوائه ، التي لا بدّ أن تغري بالاهتمام بذلك الهدف الأسمى والسعي إليه.
أما إذا اختار
التنكر لما تفرضه عليه تلك الهدايات كلها .. وأصر على الخروج على مقتضيات الفطرة ،
والتمرد على الوجدان ، وعلى العقل ، والدين ، وعلى الله ، فهذا هو النشاز
والاستثناء ، الذي لا يستحق الالتفات إليه إلا بهذا المقدار من اللفتة العابرة ،
ليكون دائما في موقع الخزي ، والمهانة ، والسقوط ، وليكون عبرة لأولي الألباب ،
الذين يطمحون إلى