ما سَقَيْتَ لَنا).
وقد تعرض المفسرون لمعنى الحياء او الاستحياء في هذه الآيات ، فقالوا في معنى الآية الأولى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي) اي لا يدع ولا يترك ولا يمتنع ، لأن الانسان اذا استحيا من شيء تركه وامتنع عنه ، وقيل : إن المعنى هو ان الشيء الذي يستحيى منه يكون قبيحا في نفسه ، ويكون لفاعله عيب في فعله ، فأخبر الله تعالى بأن ضرب الأمثال ليس بقبيح ولا بعيب حتى يستحيى منه.
وقالوا في الآية الثانية : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) إن المعنى هو انها جاءت نحوه وقد سترت وجهها بثوبها ، أو بيدها ، او جاءت ماشية على بعد مائلة عن الرجال ، او جاءته وهي على إجلال له وإكبار.
وقالوا في الآية الثالثة : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) ان هذه الآية قد نزلت في شأن قوم كانوا يتحيّنون وقت اطعام النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيدخلون بيته ، ويقعدون منتظرين إدراك الطعام ، ثم يأخذ بعضهم يحدّث بعضا مطيلين الجلوس والحديث ، وكان هذا يؤذي النبي عليه الصلاة والسّلام ، لتضييق الدار عليه وعلى أهله ، ولصرفه عن شؤونه ، وكان النبي يستحيي من دعوتهم الى الخروج ، ولكن الله تعالى لا يترك التنبيه على ذلك لأنه حق.
ومن هذا الاستعراض السريع لآيات الحياء في القرآن الكريم نفهم ان الحياء جاء مرة منسوبا الى الله عزوجل ، ومرة منسوبا الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومرة منسوبا الى احدى الفتيات الطاهرات العفيفات.
والى جوار الآيات التي ذكرت مادة «حياء» صراحة ، جاءت آيات ترمز لى الحياء وتشير نحوه ، وهي الآيات التي تذكّر الانسان باطّلاع الله على كل احواله واموره ، فإن استحضار ذلك في نفس المؤمن يجعلها متجملة بالحياء والحشمة ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). وقوله (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى). وقوله : (يَعْلَمُ خائِنَةَ