(وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ).
وقد ورد هذا النص في مقام الحديث عن اليتيم ورعاية ماله ، ومعناه أن من كان منكم غنيا متوليا لأمر يتيم ، فليعف عن الأكل من مال اليتيم ، وليطالب نفسه بذلك ، ويحملها على العفة في هذا المجال.
ويشير القرآن الى التعفف عن سؤال الغير عند الاحتياج فيقول في سورة البقرة : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ (١) يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
أي اجعلوا ما تنفقونه وتتصدقون به للفقراء الذين حوصروا في الجهاد ، ولا يتمكنون من التكسب ، ويراهم من يجهل حالهم ، فلا يعرف أنهم محتاجون لأنهم يعفون أنفسهم عن ذل السؤال ، ولكن لو دققت النظر في أمرهم لعرفت دلائل تدل على احتياجهم ، وهم لا يلحون في السؤال ، فهم أولى من غيرهم بالإعطاء.
ولقد رمز القرآن الكريم إلى العفة في القول ، بترك الألفاظ النابية ، والابتعاد عن أحاديث المجون والفجور ، حين قال عن عباد الله الأخيار :
(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ، وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ).
وحين قال :
(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
وهكذا أراد الله تبارك وتعالى من عباده أن يتحلّوا بالعفة في كل مجال من مجالات الحياة ، فيعفوا في مجال الشهوة ، ويعفوا عن الحرام ، ويعفوا عن النظر الجامح ، ويعفوا عن التبرج الفاضح ، ويعفوا عن القول الجارح ، ويعفوا عن كل ما لا يجمل ولا يليق.
ولقد جاء في سنة الرسول عليه الصلاة والسّلام : «من يستعفف يعفه الله»
__________________
(١) أي سيرا فيها للاكتساب.