على إيثار مرضاة الله ، وتبليغ رسالاته وإعلاء كلماته ، وجهاد أعدائه ، حتى ظهر دين الله على كل دين ، وقامت حجته على العالمين ، وتمت نعمته على المؤمنين ، فبلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حقّ جهاده ، وعبد الله حتى أتاه اليقين (١) من ربه ، فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال ، صلوات الله وسلامه عليه».
* * *
ومن أكرم ألوان الإيثار ، إيثار التضحية بالنفس على استبقائها ، وبذلها بلا خوف دفاعا عن عقيدة أو حرمة أو وطن ، وقد أشاد مسلم بن الوليد بمثل هذا الإيثار حين قال :
يجود بالنفس إن ضنّ البخيل بها |
|
والجود بالنفس أقصى غاية الجود |
وإذا كان الإسلام قد حث على «الإيثار» لأنه فضيلة ومكرمة فقد نفر من الأثرة والاستئثار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ستكون بعدي أثرة» أي يستأثر بعضكم على بعض ، والاستئثار هو تفرد الإنسان بالشيء دون غيره ، وكذلك قال للأنصار رضي الله عنهم : «إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض». أي يستأثر عليكم فيفضّل غيركم عليكم.
وهناك إيثار مذموم ، وهو أن يقدم إنسان شخصا لأمر وهناك من هو أصلح منه لذلك الأمر ، وقد روي عن يزيد بن أبي سفيان قال : قال أبو بكر رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام : يا يزيد ، إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة ، وذلك أكبر ما أخاف عليك ، فان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من ولي من أمور المسلمين شيئا فأمّر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة
__________________
(١) اليقين : الموت.