ولقد ورد في إيضاح ما يسارع إليه هؤلاء أقوال ، فقيل : سارعوا إلى اجتناب معاصي الله ، وقيل : سارعوا إلى الاسلام ، وقيل : سارعوا إلى أداء الفرائض ، وقيل : سارعوا إلى الهجرة ، وقيل : سارعوا إلى التكبيرة الأولى ، وقيل : سارعوا إلى أداء الطاعات ، وقيل : سارعوا إلى الصلوات ، وقيل : سارعوا إلى الجهاد ، وقيل : سارعوا إلى التوبة ... هذه أقوال تقارب العشرة ، وقد يكون هناك غيرها في تضاعيف التفاسير العديدة ، وأكاد أفهم ـ والله أعلم بمراده ـ أن هذه الاقوال قد ذكرت ألوانا من مواطن المسارعة ، والمفهوم العام للمسارعة يضمها ويشملها ، ولذلك أميل إلى ما رواه النيسابوري في «غرائب القرآن» ونسبه الى عكرمة ، وهو قوله : «ليس ذلك إلا المغفرة الحاصلة بسبب الاسلام ، والإتيان بجميع الطاعات ، والاجتناب لكل المنهيات» فكأن الأمر بالمسارعة في الآية الكريمة هو دعوة الى التحلي بفضيلة المسارعة الى الخير ، على الدوام وفي كل الأحوال.
ويقول القرآن الكريم في سورة الأنبياء : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ : رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ ، وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ، وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ ، إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ، وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ، وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). ومعنى المسارعة هنا ـ كما ذكر المفسرون ـ أنهم كانوا يبادرون الى الخيرات طاعة لله ، ويعملون ما يقرّبهم الى الله ، والمسارعة في طاعة الله ـ كما يذكر الرازي ـ من أكبر ما يمدح به المرء ، لأنه يدل على حرص عظيم على الطاعة ، ولذلك أكرم الله جل جلاله هؤلاء المسارعين في الخيرات ، فاستجاب لهم ، وحقق ما أرادوه ورغبوا فيه ، ووهب لزكريا الولد بعد طول سنين ، وأصلح له أمر زوجته ، وهذا فضل عميم من صاحب الفضل العظيم ، يذكّر كلّ مؤمن بأنه إذا أخلص في المسارعة الى الخير لوجه الله أوسع له العطاء والجزاء.
ومما يؤكد هذا الفهم ويزكيه أننا نجد القرآن الكريم يقول في سورة