الكبيرة في آية البر : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ..) الخ. ختم هذه الآية بقوله عن أولئك الأبرار الأخيار : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، ولو رجعنا الى الآية الكريمة التي فرض الله فيها فريضة الصوم على عباده لوجدناها تقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). فهناك في آية البر قال : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، وهناك في آية الصيام : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فكأن الصيام طريق يؤدي الى تحقيق البر ، لأن البر كما قالت الآية صفة المتقين ، وكذلك يقول الله تعالى في سورة البقرة : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى). والتقوى معنى كبير واسع ، فالتقوى وقاية وصيانة من جهة ، بالابتعاد عن كل سوء ورذيلة ، والتقوى قوة وحصانة من جهة أخرى ، بإتيان كل عمل طيب وسعي حميد.
* *
والبر يتفرع إلى ألوان وأنواع ، فهناك البر بالإنفاق لوجه الله تعالى ، وفيه يقول رب العزة : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ). ولقد ضرب أسلافنا أروع الأمثال في برهم بانفاق أموالهم في سبيل الله عزوجل ، حتى استحقوا أن يقال فيهم : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً). وأن يقال فيهم : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وكان منهم أبو بكر الذي بذل ماله كلّه في سبيل الله ، وكان منهم عثمان مجهز الجيوش ، وكان منهم عبد الرحمن بن عوف صاحب الباع الطويل في الانفاق ، وعلى قمة الأبرار الأجواد يأتي رسول الله عليه الصلاة والسّلام الذي كان أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، فهو في جوده حينئذ كالريح المرسلة ، ولذلك استحق عن جدارة أن يوصف بأنه نبي أكبر ، وأن يخاطبه أمير الشعراء شوقي فيقول له :