ويستخلص منه العبرة ، ثم يدرس الحاضر بماله وما عليه ، ثم يتطلع ببصيرته إلى الغد ليستدل بالحاضر على المقبل ، كما انتفع بعبرة الماضي في الحاضر ، ولذلك قال حكماؤنا : «كفى بالدهر مخبرا بما مضى عما بقي».
إن المؤمن إذا صدق في تدبره يصير يقظا في تفكيره وتعبيره ، وفي قوله وعمله ، وفي صلاته الفردية والعامة ، فهو يضيء صدره بنور الفكرة ، ويعمر قلبه بوازع العبرة ، ويقدّر لرجله قبل الخطو موضعها ، ويجعل لسانه وراء عقله ، فلا يلفظ اللفظة إلا بعد أن يزنها بميزان هذا العقل ، لأن الحكيم يقول : «الكلمة أسيرة في وثاق الرجل ، فإذا تكلم بها عاد أسيرا في وثاقها». وخير الناس من كان التدبر له خلقا في اقواله واعماله ، متخذا له شعارا مثل قول القائل الحكيم :
إذ شئت أن تحيا عزيزا مسلّما |
|
فدبّر وميّز ما تقول وتفعل |
اللهم هبنا صواب الفكرة وصدق العبرة ، واجعلنا من المتدبرين أولي الألباب.