(يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ).
ومن أهم ما يتعفف عنه الإنسان الفاضل شهوة الفرج إذا كانت خارجة عن نطاق ما أحلّه الله عزوجل ، لأن الاستجابة لهذه الشهوة فيها من الآفات ما يهلك الدين والدنيا ، إذا لم يضبطها صاحبها بضوابط الدين والعقل ، والمحمود في هذه الشهوة كما يقول حجة الإسلام الغزالي هو «أن تكون معتدلة ، ومطيعة للعقل والشرع في انقباضها وانبساطها» ولقد جرى العرف على استعمال كلمة «العفة» فيما يشير إلى صيانة الإنسان شهوته الجنسية عن الحرام والرذيلة ، وهذا العرف يدل على أن العفة هنا ذات مكانة جليلة ، حتى كأنها كل العفة.
ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العفة في قوله :
(وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
أي فليلجأ إلى العفة أولئك الذين لا يجدون وسائل القدرة على الزواج ، حتى يهبهم الله تعالى من فضله ورزقه ما يقدرون به على تبعات الزواج ولوازمه ، وطلب العفة هنا يكون بضبط النفس وحفظ الحواس عن الاستجابة للشهوات ، وعدم الخوض فيما يثير هذه الشهوات من أحاديث أو عوامل أخرى ، وأن يعالج الإنسان نفسه بمثل الصوم ، أو العبادة ، أو العمل.
وعاد القرآن الكريم إلى الحديث عن هذا اللون من العفة ، فقال في صفة المؤمنين : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ، إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ).
وأعطانا كتاب الله عزوجل أروع صورة للعفة الجنسية في قصة يوسف عليهالسلام مع امرأة العزيز ، حيث يقول عنهما :
(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
وحيث قال عنه :
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ