فالمراد بالسكينة هنا هو الحالة النفسية الحاصلة بفضل الله وتوفيقه : من السكون ، والاستقرار ، وزوال الاضطراب والانزعاج ، والسكينة كما عرفنا وقار ورزانة وهيبة ، فالآية تشير إلى ان الله تباركت آلاؤه قد افرغ من سماء عزته وقدرته سكينته اللدنية على الرسول والمؤمنين ، فكانوا كالجبال الرواسي.
ويقول القرآن في سورة التوبة :
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ، إِذْ هُما فِي الْغارِ ، إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى ، وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
وكذلك تحدث القرآن عن السكينة في سورة الفتح ثلاث مرات فقال :
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً). وقال : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ، وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً). وقال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) (١) (، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى ، وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها ، وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً).
ومن هذه الآيات القرآنية التي تحدثت عن السكينة واهلها نفهم أن لها ثمرات ولأهليها ميزات وخيرات ، فالسكينة هي قرينة النصر للمؤمنين ، ولذلك نصر الله عباده الأولين بهذه السكينة ، وعذب أعداءهم الكافرين ، وهي طريق التأييد الإلهي لعبده المعتصم به بجنود كثيرة مستورة ، وهي مفتاح الازدياد في الايمان ، وهي سبب لرضى الله تعالى ، وعنوان على طهارة قلوب المزدانين بها ، وأهلها جدراء بالثواب والفتح والمغنم ، وهم أهل التقوى القائمون بتبعاتها ، والله
__________________
(١) حمية الجاهلية : ما يصحب الجاهلية من كبرياء وأنفة.