فكثرت الفاحشة من أولاد قابيل ، وكانوا قد كثروا فى طول الأزمان وأكثروا الفساد ، فأرسل الله تعالى إليهم نوحا وهو ابن خمسين سنة ، فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى كما أخبر الله تعالى به فى كتابه العزيز ، ويحذّرهم ويخوّفهم فلم ينزجروا ولهذا قال الله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً)(١) ، وقال تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى)(٢) ، فلمّا طال دعاؤه لهم وإيذاؤهم له ، وتماديهم فى غيّهم سأل الله تعالى فأوحى إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(٣) ولمّا [أخبره](٤) أنّه لم يبق فى الأصلاب ولا الأرحام مؤمن دعا عليهم فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٥) ، فأمره الله تعالى بإيجاد السفينة فقال : يا ربّ وأين الخشب؟ فقال : اغرس الشجر. فغرس السّاج ، وأتى على ذلك أربعون سنة ، وكفّ عن الدعاء عليهم ، وأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد.
فلمّا أدرك الشجر أمر الله تعالى بقطعه وتجفيفه وصنعه الفلك ، وأعلمه كيف يصنعه وجعل بابه فى جنبه. وكان طول السّفينة ثمانين ذراعا (٦) وعرضها خمسين ، وسمكها إلى السّماء ثلاثين ذراعا ، والذراع من اليد إلى المنكب (٧). وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ طولها كان ستمائة ذراع وستّون ذراعا ، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا ، وسمكها ثلاثة وثلاثين ذراعا. وأمر الله تعالى أن يحمل فيها من كلّ جنس من الحيوان زوجين اثنين ، وحشرها الله تعالى إليه من البرّ والبحر. قال مجاهد وغيره : كان التّنّور (٨) الذى ابتدأ فوران الماء منه فى الكوفة ، ومنها ركب نوح السّفينة. وقال مقاتل : هو بالشام فى قرية يقال لها عين الوركة (٩) قريب من بعلبكّ. وعن ابن عبّاس أنّه بالهند.
__________________
(١) الآيتان ٥ و ٦ سورة نوح
(٢) الآية ٥٢ سورة النجم
(٣) الآية ٣٦ سورة هود
(٤) تكملة من قصص الأنبياء
(٥) الآية ٢٦ سورة نوح
(٦) فى ا ، ب : مائتين ذراعا تصحيف ، وما أثبت عن قصص الأنبياء.
(٧) أردف الثعلبى بعد هذا التحديد للفلك قوله : هذا قول أهل الكتاب.
(٨) فى التنور أقوال ، قال على كرم الله وجهه ، هو وجه الأرض وكل مفجر ماء تنور ، وقيل أيضا تنوير الصبح ، وقيل هو الذى يخبز فيه (وانظر اللسان «تنر»).
(٩) فى قصص الأنبياء : عين ورد