(يا حَسْرَتى) ، بألف بدل من ياء الإضافة ؛ لأن العرب تقلب ياء المتكلم ألفا فى الاستغاثة ، فيقولون : يا ويلتا ، يا ندامتا ، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء ، وربما ألحقوا بها الهاء ، فيقال : يا رباه ، يا مولاه ، وربما ألحقوا ياء المتكلم ، جمعا بين العوض والمعوض ، وبذلك قرأ أبو جعفر : «يا حسرتاى» أي : يا ندامتاه ويا حزناه. (عَلى ما فَرَّطْتُ) ؛ قصّرت. و «ما» : مصدرية ، أي : على تقصيرى وتفريطى (فِي جَنْبِ اللهِ) أي : جانبه وحقه وطاعته ، أو : فى ذاته ، أي : معرفة ذاته ، أو فى قربه ، من قوله : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) (١) ، أو : فى سبيل الله ودينه ، والعرب تسمى السبب الموصل إلى الشيء جنبا ، تقول : تجرعت فى جنبك غصصا ، أي : لأجلك ، أو : فى الجانب الذي يؤدى إلى رضوانه ، وهو توحيده والإقرار بنبوة نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم. وقرىء «فى ذكر الله». (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) أي : المستهزئين بدين الله. قال قتادة : لم يكفه أن ضيّع طاعة الله حتى سخر بأهلها. و «إن» : مخفقة ، والجملة : حالية ، أي : فرطت وأنا ساخر.
(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) : أعطانى الهداية ، (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) : من الذين يتقون الشرك. قال الإمام [أبو منصور] (٢) : هذا الكافر أعرف بهداية الله من المعتزلة. وكذلك أولئك الكفرة ، الذين قالوا لأتباعهم : (لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) (٣) يقولون : لو وفقنا الله للهداية ، وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه ، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا. والمعتزلة يقولون : بل هداهم وأعطاهم التوفيق ؛ لكنهم لهم يهتدوا. انظر النسفي.
(أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) أي : رجعة للدنيا ، (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) : الموحّدين الطائعين. و «أو» : للدلالة على أنها لا تخلو من هذه الأقوال ، تحيّرا وتحسرا ، وتعليلا بما لا طائل تحته.
فردّ الله عليهم بقوله : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي : قد جاءتك آياتي ، وبيّنت لك الهداية من الغواية ، وسبيل الحق من الباطل ، فتركت ذلك ، وضيعت ، واستكبرت عن قبوله ، وآثرت الضلالة على الهدى ، واشتغلت بضد ما أمرت به ، وإنما جاء التضييع من قبلك ، فلا عذر لك.
و «بلى» : جواب لنفى مقدر ، وهو نتيجة القياس الاستثنائى ، أي : لو أن الله هدانى لا هتديت وكنت متقيا ، لكنه لم يهدنى ، وإنما أخّره ؛ لأنه لا بد من حكاية أقوال النّفس على ترتيبها ، ثم يذكر الجواب فى الجملة. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) من الآية ٣٦ من سورة النّساء.
(٢) فى الأصول [ابن منصور] والمثبت هو الذي فى النّسفى.
(٣) كما جاء فى الآية ٢١ من سورة إبراهيم.