إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٥ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٥ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :539

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٥ ]

93/539
*

(وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي : اخضعوا له ، وانقادوا لأمره. قال القشيري : أي : أخلصوا فى طاعتكم ، والإسلام ـ الذي هو الإخلاص بعد الإنابة ـ : هو أن يعلم نجاته بفضله ، لا بإنابته ؛ فبفضله يصل إلى إثابته ، لا بإنابته يصل إلى فضله. ه. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) فى الدنيا ، أو فى الآخرة ، إن لم تتوبوا قبل نزول العقاب. قال القشيري : العذاب هنا ، قيل : الفراق ، وقيل : هو أن يفوته وقت الرّجوع بسوء الإياس. ه. (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) : لا تمنعون منه أبدا.

الإشارة : لا يعظم عندك الذنب عظمة تصدك عن حسن الظن بالله ، فإن من استحضر عظمة ربه صغر فى عينه كلّ شىء. وتذكر قضية الرّجل الذي قتل تسعا وتسعين نفسا ، ثم سأل راهبا : هل له توبة؟ فقال : لا ، فكمل به المائة ، ثم سأل عارفا ، فقال له : ومن يحول بينك وبينها؟ لكن اخرج من القرية التي كنت تعصى فيها ، واذهب إلى قوم يعبدون الله فى مكان ، فذهب ، فأدركه الموت فى الطريق ، فلما أحس بالموت انحاز بصدره إلى القرية التي قصدها ، ثم مات ، فاختصمت فيه ملائكة العذاب وملائكة الرّحمة ، فقال لهم الحق تعالى (١) : قيسوا من القرية التي خرج منها ، إلى القرية التي قصدها ، فإلى أيهما هو أقرب هو منها؟ فوجدوه أقرب إلى القرية التي قصدها بشبر ، فأخذته ملائكة الرّحمة (٢). إلى غير ذلك من الحكايات التي لا تحصى فى هذا المعنى.

وتأمل قضية الشاب الذي أتى النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبكى ، فقال : ما يبكيك؟ قال : ذنوبى. فقال له عليه‌السلام : إن الله يغفر ذنوبك ، ولو كانت مثل السماوات السبع ، والأرضين السبع ، والجبال الرّواسى ، فقال : يا رسول الله ، ذنب من ذنوبى أعظم من السماوات السبع والأرضين السبع ، فقال له : ذنوبك أعظم أو العرش؟ قال : ذنوبى ، فقال له : ذنوبك أعظم أو الكرسي؟ قال : ذنوبى ، فقال : ذنوبك أعظم أو إلهك؟ فقال : الله أعظم ، فقال : فأخبرنى عن ذنبك. قال : إنى أستحيى ، فقال : فأخبرنى ، فقال : إنى كنت نباشا أنبش القبور منذ سبع سنين ، حتى ماتت جارية من بنات الأنصار ، فنبشتها ، وأخرجتها من كفنها ، فمضيت ، ثم غلبنى الشيطان ، فرجعت ، فجامعتها ، فقامت الجارية ، وقالت : الويل لك يا شاب من ديّان يوم الدين ، يوم يضع كرسيه للقضاء ، يأخذ من الظالم للمظلوم ، تركتنى عريانة فى عساكر الموتى ، وأوقفتنى جنبا ين يدى الله ، فقام النّبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يضرب فى قفاه ، وهو يقول : يا فاسق ، اخرج ، ما أقربك من النّار ، فخرج الشاب تائبا إلى الله تعالى ، حتى أتى عليه ما شاء الله ، ثم قال : يا إله محمد وآدم وحواء ، إن كنت

__________________

(١) بوحي ، كما تفيده رواية البخاري. وفى رواية مسلم : «فأتاهم ملك فى صورة آدمي فجعلوه بينهم ، فقال : قيسوا ..» الحديث.

(٢) أخرج القصة البخاري فى (أحاديث الأنبياء ، باب حديث الغار ، ح ٣٤٧٠) ومسلم فى (التوبة ، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله ، ٤ / ٢١١٨ ، ح ٢٧٦٦) من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه.