من العلم ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال اللجائى ، فى قطبه : وإياك أن تكون دنياك إرادة قلبك تبعا لشهوات نفسك ، أو تكون دنياك أحب إليك من آخرتك ، وقلبك من ذكر مولاك خاليا معرضا ، فإنها صفة الهالكين ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ...) الآية. وقيل لأبى الحسن الشاذلى : يا سيدى ، بم فقت أهل عصرك ، ولم نر لك كبير عمل؟ فقال : بخصلة ، أمر الله بها نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وتمسكت بها أنا ، وهى الإعراض عنكم وعن دنياكم. ه. إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن طريق الوصول إليه ، وهو أعلم بمن اهتدى إليها ، فيعينه ، ويجذبه إلى حضرته ، فإن الأمر كله بيده ، كما قال :
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا ، لا لغيره ، لا استقلالا ولا اشتراكا ، (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) ؛ بعقاب ما عملوا من السوء ، أو : بسبب ما عملوا ، (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) ؛ بالمثوبة الحسنى ، وهى الجنة ، والمعنى : أن الله تعالى إنما خلق هذا العالم العلوي والسفلى ، وتصرف فيه بقدرته بين جلاله وجماله ، ليجزى المحسن من المكلّفين ، والمسيء منهم ؛ إذ من شأن الملك أن ينصر أولياءه ويكرمهم ، ويقهر أعداءه ويهينهم.
وقال الطيبي : «ليجزى» راجع لقوله : (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ ..) الآية ، والمعنى : إنّ ربك هو أعلم بمن ضل وبمن اهتدى ليجزى كلّ واحد بما يستحقه ، يعنى : أنه عالم ، كامل العلم ، قادر ، تام القدرة ، يعلم أحوال المكلّفين فيجازيهم ، لا يمنعه أحد مما يريده ؛ لأنّ كلّ شىء من السموات والأرض ملكه ، وتحت قهره وسلطانه ، فقوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : جملة معترضة ، توكيد للاقتدار وعدم المعارض. ه.
(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) : بدل من الموصول الثاني ، أو : رفع على المدح ، أي : هم الذين يجتنبون. والتعبير بالمضارع للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره. وكبائر الإثم : ما يكبر عقابه من الذنوب ، وهو ما رتّب