ثم رد على المشركين ، فقال :
(... وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٤))
قلت : «والذين» : مبتدأ ، و (ما نَعْبُدُهُمْ) : محكى بقول محذوف ، حال من واو «اتخذوا» وجملة «إن الله» : خبر ، والاستثناء مفرغ من أعم العلل ، و «زلفى» : مصدر.
يقول الحق جل جلاله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي : لم يخلصوا فى عبادتهم ، بل شاوبوها بعبادة غيره ، كالأصنام ، والملائكة ، وعيسى ، قائلين : (ما نَعْبُدُهُمْ) لشىء من الأشياء (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) أي : تقريبا ، (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) وبين خصمائهم ، الذين هم المخلصون للدين ، وقد حذف لدلالة الحال عليه ، كقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (١) على أحد الوجهين ، أي : بين أحد منهم وبين غيره. قيل : كان المسلمون إذا قالوا للمشركين : من خلق السماوات والأرض؟ قالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فمالكم تعبدون الأصنام؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى (٢).
(إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ) يوم القيامة بين المتنازعين من المسلمين والمشركين (فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من التوحيد والإشراك ، وادعاء كل واحد صحّة ما انتحله. وحكمه تعالى هو إدخال الموحدين الجنة والمشركين النّار. وقيل : الموصول واقع على الأصنام ، والعائد محذوف ، أي : والذين اتخذوهم من دونه أولياء ، قائلين : ما نعبدهم ... إلخ ، إن الله يحكم بينهم ، أي : بين العبدة والمعبودين فيما هم فيه يختلفون ، حيث يرجون منها شفاعتها وهى تلعنهم ، وهذا بعيد.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) : لا يوفّق للاهتداء (مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) أي : راسخ فى الكذب ، مبالغ فى الكفر ، كما يعرب عنه قراءة من قرأ : «كذاب» أو : «كذوب» (٣) ، أي : لا يهديهما اليوم لدينه ؛ لسابق الشقاء ، ولا فى الآخرة
__________________
(١) من الآية ٢٨٥ من سورة البقرة.
(٢) ذكره البغوي فى تفسيره (٧ / ١٠٨) عن قتادة.
(٣) قرأ أنس بن مالك ، والحسن ، والأعرج ، وابن يعمر : «كذّاب» ، وقرأ زيد بن علىّ : «كذّوب» ... انظر البحر المحيط (٧ / ٣٩٩).