لثوابه ؛ لأنهما اليوم فاقدان للبصيرة ، غير قابلين للاهتداء ؛ لتغييرهما الفطرة الأصلية بالتمرّن فى الضلالة والتمادي فى الغى.
(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) كما يزعم من يقول : الملائكة بنات الله ، والمسيح وعزيز ابن الله ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، (لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي : لاختار من خلقه ما يشاء ، ممن له مناسبة صمدانية ، كالملائكة ، فإنهم منزهون عن نقائص البشرية ، كالأ كل والشرب والنّكاح ، لكن لم يرد ذلك ؛ لاستحالته فى حقه تعالى.
قال القشيري : خاطبهم على قدر عقولهم وعقائدهم ، فقال : لو أراد الله أن يتخذ ولدا بالتبنّي والكرامة لاختار من الملائكة ، الذين هم مبرءون من الأكل والشرب وأوصاف الخلق ، ثم أخبر عن تقدّسه عن ذلك ، فقال : (سُبْحانَهُ) أي : تنزيها له عن اتخاذ الولد على الحقيقة ؛ لاستحالة معناه فى نعته ، ولا بالتبني ، لتقدّسه عن الجنسية ، والمحالات تدل على وجه الإبعاد. ه.
والحاصل : أن الولد فى حقه تعالى ؛ إن كان عن طريق التولد فهو محال ، عقلا ونقلا ، وإن كان عن طريق التبني والكرامة فمحال سمعا ، وقيل : وعقلا. قال شيخ شيوخنا سيدى عبد الرّحمن الفاسى رضي الله عنه : قوله ، أي : القشيري : لتقدسه عن الجنسية ، يعنى لوحدته وقهره ، كما رمز إلى ذلك بذكر الاسمين ، أي : الواحد القهار ، وهما عاملان فى كل مخلوق ، ومحال تعطيلهما بالتبني المقتضى للجنسية ، المباينة للوحدانية والقهر ، فلا يمكن إلا العبودية ، عقلا ، ونقلا ، وحقيقة ، وهذا أشد من كلام ابن عطية ، فإنه جوّز اتخاذه على جهة التشريف والتبني عقلا ، وإن امتنع شرعا ، لعموم آية : (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (١) ؛ لاتخاذ النّسل المستحيل عقلا ونقلا ، ولاتخاذ الاصطفاء الممتنع شرعا. وهو أيضا أشدّ من كلام الزمخشري ، حيث قال : معنى الآية : لو أراد الله اتخاذ الولد لا متنع ذلك ، ولكنه يصطفى من يشاء من عباده ، على وجه الاختصاص والتقريب ، لا على وجه اتخاذه ولدا. ه. فأجعل فى الامتناع ، وإن كان المتبادر منه شمول القسمين ، وكذا قرر جواب «لو» ، أي : لامتنع ، وجعل قوله : (لَاصْطَفى) الذي هو ظاهر فى كونه جوابا غير جواب «بل» على معنى الاستئناف ، وهو خلاف المطروق والمفهوم من جرى الكلام. والله أعلم.
وما ذكره الزمخشري أيضا من الامتناع مع الإرادة هو فرض لتعلق الإرادة بالممتنع ، وهى إنما تتعلق بالجائز ، ويحتمل بناؤه على مذهبه الفاسد فى إرادة بعض ما لم يقع ، وهو شنيع مذهبه ، بل ويلزمه عود القهر
__________________
(١) الآية ٩٢ من سورة مريم.