الباء فى (بحور) لتضمن معنى زوجناهم قرناهم. ه. وقال الهروي : (زوّجناهم) أي : قرناهم ، والأزواج : الأشكال والقرناء ، وليس فى الجنة تزويج. ه. والمنفي : تحمل مؤنة التزويج والمعاقدة ، وإنما يقع التمليك والإقران.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) : مبتدأ ، (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) : عطف على (آمنوا) ، و (بِإِيمانٍ) متعلق بالاتباع ، والخبر : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (١) أي : تلحق الأولاد بدرجات الآباء ؛ إذ شاركوهم فى الإيمان ، وإن قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء ، وكذلك الآباء تلحق بدرجة الأبناء ؛ لتقرّ بذلك أعينهم ، فيلحق بعضهم ببعض ، إذا اجتمعوا فى الإيمان من غير أن ينقص أجر من هو أحسن عملا شيئا ، بزيادته فى درجة الأنقص ، ولا فرق بين من بلغ من الذرية ، أو لم يبلغ ، إذا كان الآباء مؤمنين. انظر الثعلبي.
وفى حديث ابن عباس : «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يسأل الرّجل عن أبويه ، وزوجته ، وولده ، فيقال : إنهم لم يدركوا ما أدركت ، فيقول : لقد عملت لى ولهم أجمعين ، فيؤمر بإلحاقهم به» (٢). قال القشيري : ليكمل عليهم سرورهم بذلك ؛ فإنّ الانفراد بالنعمة والقلب مشتغل بالأهل والذرية ينغص العيش ، وكذلك كلّ من يلاحظ قلبا من صديق وقريب وولىّ وخادم ، قال تعالى فى قصة يوسف : (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٣). ه.
قال فى الحاشية : وربما يستأنس بما ذكر فى الجملة بقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ ...) الآية (٤) ، وما قيل فى سبب نزولها (٥) ، وكذلك حديث : «المرء مع من أحب» (٦) ، وحال الجنة مما لا يخطر على بال ، فيجوز أن يكون الأدنى مع الأعلى بمنازلته معه ، مع مباينته له بحقيقته ، كما أنّ حيطة الحق تعالى شاملة للكل ، وكلّ يتعرف له على قدره ، فالكلّ معه بمطلق التعرف ، مع تحقق التفاوت ، وأهل الجنة فيها على حكم الأرواح ، وأحكامها لا تكيف ، واعتبر بالفروع مع الأصول ، مع تفاوتها. والله أعلم. ه.
__________________
(١) أثبت المفسر ـ رحمهالله ـ قراءة «ذرياتهم» بالجمع ، وهى قراءة نافع وأبى جعفر ، فى الثاني دون الأول ، وقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف : «ذريتهم» بالتوحيد فى الأول والثاني ، وقرأ ابن عامر ويعقوب «ذرياتهم» بالجمع فى الأول والثاني.
انظر الإتحاف ٢ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦.
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٦ / ١٤٨) للطبرانى وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا ..
(٣) من الآية ٩٣ من سورة يوسف.
(٤) الآية ٦٩ من سورة النّساء.
(٥) راجع سبب نزول الآية فى (١ / ٥٢٥).
(٦) أخرجه البخاري فى (الأدب ، باب علامة الحب فى الله ، ح ٦١٦٩ وح ٦١٧٠) عن ابن مسعود ، وأبى موسى ـ رضي الله عنهما ، ومسلم فى (البر والصلة ، باب المرء مع من أحب ، ح ٢٦٤٠) عن ابن مسعود.