والحاصل : أنهم يلحقون بهم فى الطبقة ، ويتفاوتون فى نعيم الأرواح والأشباح ، وفى الرّؤية والزيادة (١). والله تعالى أعلم.
(وَما أَلَتْناهُمْ) أي : ما نقصنا الآباء بهذا الإلحاق (مِنْ عَمَلِهِمْ) ؛ من ثواب عملهم (مِنْ شَيْءٍ) بأن أعطينا بعض مثوباتهم لأبنائهم ، فتنقص مثوبتهم ، وتنحط درجتهم ، وإنما رفعناهم إلى منزلتهم بمحض التفضل والإحسان. والألت : البخس. وقرأ المكي : (ألتناهم) بكسر اللام ، من : ألت يألت ، كعلم يعلم (٢) ، و «من» الأولى متعلقة ب «ألتناهم» ، والثانية زائدة لتأكيد النّفى. (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) أي : كل امرئ مرهون عند الله تعالى بعمله ، فإن كان صالحا فله ، وإلا أهلكه. والجملة : استئناف بيانى ، كأنه لمّا قال : ما نقصناهم من عملهم شيئا نعطيه الأبناء حتى يلحقوا بهم على سبيل التفضل ، قيل : لم كان الإلحاق تفضلا؟ قال : لأن كلّ امرئ بما كسب رهين ، وهؤلاء لم يكن لهم عمل يلحقوا بسببه بهم ، فألحقوا تفضلا.
(وَأَمْدَدْناهُمْ) أي : وزودناهم فى وقت بعد وقت (بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من فنون النّعماء وألوان اللآلئ ، وإن لم يطلبوا ذلك. (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي : يتعاطون ويتعاورون (٣) هم وجلساؤهم من أقربائهم كأسا فيها خمر ، يتناول هذا الكأس من يد هذا ، وهذا من يد هذا ، بكمال رغبة واشتياق ، (لا لَغْوٌ فِيها) أي : فى شربها ، فلا يتكلمون فى أثناء الشراب إلا بكلام طيب ، فلا يجرى بينهم باطل ، (وَلا تَأْثِيمٌ) أي : لا يفعلون ما يوجب إثما لصاحبه لو فعله فى دار التكليف ، كما هو شأن المنادمين فى الدنيا ، وإنما يتكلمون بالحكم وأحاسن الكلام ، ويفعلون ما يفعله الكرام.
قال القشيري : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) لا يجرى بينهم باطل ولا ما فيه لوم ، كما يجرى من الشّرب (٤) اليوم فى الدنيا ، ولا تذهب عقولهم ، فيجرى بينهم ما يخرج عن حدّ الأدب والاستقامة ، وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة ، وعلى المعلوم من يسقيهم بمشهد من مجلوسهم ، وعلى رؤية من شربهم ، والقوم عن الدار وعن ما فيها مختطفون باستيلاء ما يستغرقهم ، فالشراب يؤنسهم ، ولكن لا يمر بحاستهم. ه.
وقرأ المكي والبصري بالفتح (٥) فيها على إعمال «لا» النافية للجنس.
__________________
(١) على هامش النّسخة الأم ما يلى : هذا تحكم على الآية ، وعلى كرم الله تعالى ، فإن الآية مطلقة فى الإلحاق ، فلا يقيدها إلا آية ، أو حديث صحيح. ه.
(٢) والأول (ألتناهم) بفتح اللام ، من : ألت يألت ، كضرب يضرب.
(٣) تعوروا الشيء وتعاوروه : تداولوه فيما بينهم. انظر اللسان (عور ٤ / ٣١٦٨).
(٤) الشّرب : جمع شارب ، كراكب ، وركب. وهم القوم يشربون ويجتمعون للشراب ، انظر اللسان (شرب ، ٤ / ٢٢٢٢).
(٥) فى «لا لغو فيها ولا تأثيم» وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالفتح بلا تنوين ، وقرأ الباقون بالرفع والتنوين. انظر الإتحاف ١ / ٤٩٦.