والحوّاك : صانع الحياكة ، والمراد : إما الطريق المحسوسة ، التي هى مسير الكواكب ، أو : المعنوية ، التي يسلكها النظار فى النّجوم ، فإن لها طرائق. قال البيضاوي : النكتة فى هذا القسم : تشبيه أقوالهم فى اختلافها ، وتباين أغراضها ، بطرائق السماوات فى تباعدها ، واختلاف غاياتها ، وقال ابن عباس وغيره : ذات الخلق المستوي ، وعن الحسن : حبكها نجومها. وقال ابن زيد : ذات أشدة ، لقوله تعالى : (سَبْعاً شِداداً) (١).
(إِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) ؛ متخالف متناقض ، وهو قولهم فى حقه صلىاللهعليهوسلم تارة : شاعر ، وأخرى ساحر ، وفى شأن القرآن ، تارة : شعر ، وأخرى أساطير الأولين. (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) ؛ يصرف عن القرآن ، أو عن الرّسول ، من ثبت له الصرف الحقيقي ، الذي لا صرف أفظع وأشد منه ، فكأنّ لا صرف حقيقة إلا لهذا الصرف ، أي : يصرف عن الإيمان من صرف عن كلّ سعادة وخير ، أو : يصرف عن الإيمان من صرف فى سابق الأزل.
قلت : والأظهر أن يرجع لما قبله ، أي : يصرف عن هذا القول المختلف من صرف فى علم الله تعالى ، وسبقت له العناية ، يقال : أفكه عن كذا : صرفه عنه ، وإن كان الغالب استعماله فى الصرف عن الخير إلى الشر ، لكنه عرفى ، لا لغوى. والله تعالى أعلم.
(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) ، دعاء عليهم ، كقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (٢) ، وأصله : الدعاء بالقتل والهلاك ، ثم جرى مجرى «لعن» ، والخرّاصون : الكذابون المقدّرون ما لا صحة له ، وهم أصحاب القول المختلف ، كأنه قيل : لعن هؤلاء الخراصون (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) ؛ فى جهل يغمرهم ، (ساهُونَ) ؛ غافلون عما أمروا به ، (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي : متى وقوع يوم الجزاء ، لكن لا بطريق الاستعلام حقيقة ، بل بطريق الاستعجال ، استهزاء ، فإنّ «أيّان» ظرف للوقوع المقدّر ؛ لأن «أيّان» إنما يقع ظرفا للحدثان.
ثم أجابهم بقوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي : يقع يوم هم على النّار يحرقون ويعذّبون ، ويجوز أن يكون خبرا عن مضمر ، أي : هو يوم هم ، وبنى لإضافته إلى مضمر ، ويؤيده أنه قرئ بالرفع (٣). (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي : وتقول لهم خزنة النّار : ذوقوا عذابكم وإحراقكم بالنار ، (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) أي : هذا العذاب هو الذي
__________________
(١) من الآية ١٢ من سورة النّبإ ، وانظر فى هذه الأقوال تفسير البغوي ٧ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ والقرطبي (٧ / ٦٣٨٧ ـ ٦٣٨٨).
(٢) الآية ١٧ من سورة عبس.
(٣) «يوم» بالرفع ، وهى قراءة ابن أبى عبلة والزعفراني. انظر مختصر ابن خالويه فى شواذ القراءات (ص / ١٤٦) والبحر المحيط (٨ / ١٣٤).