كنتم تستعجلونه فى الدنيا ، بقولكم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) (١) ، ف «هذا» : مبتدأ ، و «الذي ..» إلخ : خبر ، ويجوز أن يكون «هذا» بدلا من فتنتكم ، و «الذي» : صفته.
الإشارة : أقسم الله تعالى بسماء الحقائق ، وتسمى سماء الأرواح ؛ لأن أهل الحقائق روحانيون سماويون ، ترقّوا من أرض الأشباح إلى سماء الأرواح ، حيث غلبت روحانيتهم ، على بشريتهم ، كما أن أهل الشرائع اليابسة أرضيين بشريين ، حيث غلبت بشريتهم الطينية على روحانيتهم السماوية ، ولكلّ واحدة طرق ، فطرق سماء الحقائق هى المسالك التي توصل إليها ، وهى قطع المقامات والمنازل ، وخرق الحجب النّفسانية ، حتى يفضوا إلى مقام العيان «فى مقعد صدق عند مليك مقتدر» وطرق أرض الشرائع هى المذاهب التي سلكها الأولون ، واقتدى بهم الآخرون ، يفضوا أهلها إلى رضا الله ونعيمه. وكان الشيخ الشاذلى رضي الله عنه يقول فى تلميذه المرسى : إن أبا العباس أعرف بطرق السماء منه بطرق الأرض ، أي : أعرف بمسالك الحقائق منه بمذاهب الشرائع ، وهذا إشارة قوله : (ذاتِ الْحُبُكِ) أي : الطرق. إن أهل الجهل بالله لفى قول مختلف مضطرب ، لا تجد قلوبهم تأتلف على شىء ، قلوبهم متشعبة ، ونياتهم مختلفة ، وهممهم دنية ، وأقوالهم مضطربة ، بخلاف أهل الحقائق العارفين بالله ، قلوبهم مجتمعة على محبة واحدة ، وقصد واحد ، وهو الله ، بدايتهم فى السلوك مختلفة ، ونهايتهم متفقة ، وهو الوصول إلى حضرة العيان ، ولله در ابن البنا ، حيث قال :
مذاهب النّاس على اختلاف |
|
ومذهب القوم على ائتلاف |
وقال الشاعر :
عباراتهم شتى وحسنك واحد |
|
وكلّ إلى ذاك الجمال يشير |
يؤفك عن هذا الاختلاف من صرف فى سابق العناية ، أو من صرف من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح. قتل الخراصون ؛ المعتمدون على ظنهم وحدسهم ، فعلومهم جلها مظنونة ، وإيمانهم غيبى ، وتوحيدهم دليلى من وراء الحجاب ، لا يسلم من طوارق الاضطراب ، الذين هم فى غمرة ؛ أي : فى غفلة وجهل وضلالة ـ ساهون عما أمروا به من جهاد النّفوس ، والسير إلى حضرة القدوس ، أو ساهون غائبون عن مراتب الرّجال ، لا يعرفون أين ساروا ، وفى أىّ بحار سبحوا وغاصوا ، كما قال شاعرهم :
تركنا البحور الزاخرات وراءنا |
|
فمن أين يدرى النّاس أين توجهنا؟ |
__________________
(١) من الآية ٧٠ من سورة الأعراف.