والمقسم عليه قوله : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من البعث والجزاء ، (لَصادِقٌ) ؛ لوعد صادق ، (وَإِنَّ الدِّينَ) أي : الجزاء على الأعمال (لَواقِعٌ) ؛ لكائن لا محاله. وتخصيص الأمور المذكورة بالإقسام بها رمزا إلى شهادتها بتحقيق مضمون الجملة المقسم عليها ، من حيث إنها أمور بديعة ، مخالفة لمقتضى الطبيعة ، فمن قدر عليها فهو قادر على البعث الموعود ، و «ما» موصولة ، أو مصدرية ، ووصف الوعد بالصدق كوصف العيشة بالرضا. والله تعالى أعلم.
الإشارة : والذاريات : رياح الواردات الإلهية ، التي ترد على القلوب ، فتذرو منها الأمراض والشكوك والأوهام والخواطر ؛ لأنها تأتى من حضرة قهّار ، لا تصادم شيئا إلا دفعته ، فالحاملات وقرا ؛ فالأنفس المطهرة ، الحاملة للعلوم والحكم والمواهب ، وقرا : حملا لا حدّ له ، فالجاريات يسرا : فالأفكار الجارية فى بحار الأحدية ، من الجبروت إلى الملكوت ، ثم تنزل إلى عالم الملك ، تتفنن فى علوم الحكمة ، فى جريا يسرا شيئا فشيئا ، فالمقسّمات أمرا : فالأرواح أو الأسرار الكاملة ، التي تقسم الأرزاق المعنوية والحسية ، حيث جعل الله لها ذلك بفضله عند كمالها ، وهذه أرواح أهل التصرف من الأولياء. إنما توعدون من الوصول إلينا لصادق لمن صدق فى الطلب ، وإنّ الجزاء على المجاهدة بالمشاهدة لواقع. قال القشيري : إن الله تعالى وعد المطيعين بالجنة ، والتائبين بالمحبة ، والأولياء بالقربة ، والعارفين بالوصلة ، والطالبين بالوجدان. ولعلّ مراده بالأولياء عموم الصالحين.
ثم جدّد قسما آخر ، فقال : ـ
(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤))
يقول الحق جل جلاله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) ؛ ذات الطرق الحسيّة ، مثل ما يظهر على الماء والرّمال من هبوب الرّياح ، وكذلك الطرق التي فى الأكسية من الحرير وغيره ، يقال لها : حبك جمع حبيكة ، كطريقة وطرق ، أو : جمع حباك ، قال الرّاجز :
كأنما جلّاها (١) الحوّاك |
|
طنفسة فى وشيها حباك (٢) |
__________________
(١) هكذا فى الأصول. وفى تفسير الطبري وابن عطية وغيرهما : (جلّلها) وهو الصواب.
(٢) يصف الرّاجز ظهر أتان من حمر الوحش بأن فيه خطوطا وطرائق ، وجللها : ألبسها وكساها ، والطنفسة : البساط أو النّمرقة فوق الرحل ، والوشي : الزخرف والنّقش ، والحباك : الطريقة.