(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) من نفى البعث وتكذيب الآيات ، وغير ذلك مما لا خير فيه ، وهو تهديد لهم ، وتسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي : ما أنت بمسلط عليهم ، إنما أنت داع ، كقوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (١) من : جبره على الأمر : قهره ، أي : ما أنت بوال عليهم تجبرهم على الإيمان ، وهذا قبل الأمر بالقتال ، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) ، لأنه هو الذي يتأثر بالوعظ ، كقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٢) وأما من عداهم ، فنحن نفعل بهم ما توجبه أقوالهم ، وتستدعيه أعمالهم من أنواع العقاب وفنون العذاب.
الإشارة : فاصبر أيها المتوجّه على ما تسمع من الأذى ، وغب عن ذلك بذكر ربك قبل طلوع شمس البسط ، وقبل غروبها ، أي : اشتغل بالله فى القبض والبسط ، أو : قبل طلوع شمس المعرفة ، فى حال السير ، وقبل الغروب حين تطلع ، ومن ليل القبض أو القطيعة فسبّح حتى يطلع نهار البسط أو المعرفة ، وأدبار السجود ، أي : عقب سجود القلب فى الحضرة ، فلا يرفع رأسه أبدا ، واستمع يوم يناد المنادى ، وهى الهواتف الغيبية ، والواردات الإلهية ، والإلهامات الصادقة ، من مكان قريب ، هو القلب ، يوم يسمعون الصيحة ، أي : تسمع النّفوس صيحة الداعي إلى الحق بالحق ، فتجيب وتخصع إن سبقت لها العناية ، ذلك يوم الخروج ، خروج العوائد والشهوات من القلب ، فتحيى الروح ، وتبعث بعد موتها بالغفلة والجهل ، بإذن الله ، إنا نحن نحيى نفوسا بمعرفتنا ، ونميت نفوسا بقهريتنا ، وإلينا المصير ، أي : الرجوع إنما هو إلينا ، فمن رجع إلينا اختيارا أكرمناه ونعّمناه ، وفى حضرة القدس أسكناه ، ومن رجع قهرا بالموت عاتبناه أو سامحناه ، وفى مقام البعد أقمناه.
يوم تشقق الأرض عنهم : أرض الحشر فى حق العامة ، وأرض الوجود فى حق الخاصة ، أي : يذهب حس الكائنات ، وتضمحل الرّسوم ، وتبدل الأرض والسموات ، ذلك حشر علينا يسير ، أي : جمعكم إلينا ، بإفناء وجودكم ، وإبقائكم بوجودنا ، يسير على قدرتنا ، وجذب عنايتنا. ويقال لكلّ داع إلى الله ، فى كلّ زمان ، حين يدبر النّاس عنه ، وينالون منه : نحن أعلم بما يقولون ، وما أنت عليهم بجبّار ، إنما أنت داع : خليفة الرّسول ، فذكّر بالقرآن ، وادع إلى الله من يخاف وعيد ؛ إذ هو الذي يتأثر بالوعظ والتذكير ، وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ، وسلم ،
__________________
(١) الآية ٢٢ من سورة الغاشية.
(٢) الآية ٤٥ من سورة النّازعات.