عليه بعمله. قيل : السائق : كاتب الحسنات ، والشاهد : كاتب السيئات ، ويقال لها : (لقد كنت فى غفلة من هذا) النازل بك اليوم ، (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) فأزلنا غفلتك ، وهو الوقوف مع المحسوسات والإلف ، والانهماك فى الحظوظ ، وقصر النظر عليها ، فشاهدت اليوم ما كنت غافلا عنه (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ؛ نافذ ؛ لزوال المانع. جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده ، أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا ، فإذا كان يوم القيامة سقط ، وزالت عنه الغفلة ، وكشف غطاؤه ، فبصر ما يبصره من الحق ، ورجع بصره الكليل حديدا ، لتيقظه حين لم ينفع التى قظ. وبالله التوفيق.
الإشارة : هذه الآية وأشباهها أصل فى مقام المراقبة القلبية ، فينبغى للعبد أن يستحيى من الله أن يحدّث فى نفسه بشىء يستحيى أن يظهره ، يعنى الاسترسال معه ، وإلا فالخواطر العارضة لا قدرة على دفعها. قال القشيري : (ما توسوس به نفسه) من شهوة تطلب استيفاءها ، أو تصنّع مع الخلق ، أو سوء خلق ، أو اعتقاد فاسد ، أو غير ذلك من أوصاف النّفس ، توسوس بذلك لتشّوش عليه قلبه ووقته ، وكيف لا نعلم ذلك وكلّ ذلك مما خلقناه وقدرناه. ه.
وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي : أنا أقرب إلى كلّ أحد من عروق قلبه ، وهذا لأن قيام الفعل بالصفات ، والصفات لا تفارق الذات ، فالقرب بالعلم والقدرة ، وتستلزم القرب بالذات ، وقرب الحق من خلقه هو قرب المعاني من الأوانى ، إذ هى كليتها وقائمة بها ، فافهم. قال القشيري : وفى هذه الآية هيبة وفزع لقوم ، وروح وأنس وسكون قلب لقوم. ه. وقوله تعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ ..) إلخ ، كأنه تعالى يقول : من لم يعرف قدر قربى منه ، بأن يعده وهمه وجهله ، فإنى أوكّل عليه رقيبين يحفظان أعماله لعله ينزجز.
وقوله تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ..) إلخ ، وأما عمل القلوب فاختص الله تعالى بعلمها ، وهى محض الإخلاص. قال بعضهم : الإخلاص : إخفاء العمل بحيث لم يطلع عليه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، فالعارفون جلّ أعمالهم قلبية ، نظرة أو فكرة. روى أن بعض العارفين قال له حفظته : يا سيدى أظهر لنا شيئا من أعمالك نفرح به عند الله ، فقال لهم : يكفيكم الصلوات الخمس. ه. قال القشيري : وفيه أيضا إشارة إلى كمال عنايته فى حق عباده ، إذ جعل على كلّ واحد رقيبين من الملائكة ليحفظوه بالليل والنهار ، إذا كان قاعدا فواحد عن يمينه وواحد عن شماله ، وإذا قام فواحد عند رأسه ، وواحد عند قدمه ، وإذا كان ماشيا فواحد بين يديه وواحد خلفه. انظر بقيته. ه. وهذان غير الملكين الموكلين بحفظ الأعمال. والله أعلم.
وقال فى قوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) : إذا أشرفت النفس على الخروج من الدنيا ، فأحوالهم تختلف ، فمنهم من يزداد فى ذلك الوقت خوفه ، ولا يتبيّن حاله إلا عند ذهاب الروح ، ومنهم من يكاشف قبل خروجه