أسعارها ، وكانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتيناك بالأثقال والعيال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، وهم يريدون الصدقة ، ويقولون : أعطنا ، ويمنّون بإسلامهم (١).
(قُلْ) لهم : (لَمْ تُؤْمِنُوا) ؛ لم تصدّقوا بقلوبكم (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، فالإيمان هو التصديق بالقلب مع الإذعان به ، والإسلام هو الدخول فى السّلم ، والخروج من أن يكون حربا للمؤمنين بإظهار الشهادتين ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فهو يدل على أنّ مجرد النّطق بالشهادتين ليس بإيمان ، فتحصّل أن ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة للقلب فهو إسلام ، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ، وهذا من حيث اللغة ، وأما فى الشرع فهما متلازمان ، فلا إسلام إلا بعد إيمان ، ولا إيمان إلا بعد النّطق بالشهادة إلا لعذر.
والتعبير ب «لمّا» يدل على أن الإيمان متوقّع من بعضهم وقد وقع. فإن قلت : مقتضى نظم الكلام أن يقول : قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا ، أو : قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم؟ قلت : أفاد هذا النّظم تكذيب دعواهم أولا ، فقيل : قل لم تؤمنوا ، مع حسن أدب ، فلم يقل : كذبتم صريحا ، ووضع «لم تؤمنوا» الذي هو نفس ما ادّعوا إثباته موضعه ، واستغنى بقوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) عن أن يقال : لا تقولوا آمنا ؛ لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النّهى عن القول بالإيمان ، ولم يقل : ولكن أسلمتم ؛ ليكون قولهم خارجا مخرج الزعم والدعوى ، كما كان قولهم : «آمنا» كذلك ، ولو قيل : ولكن أسلمتم ؛ لكان كالتسليم ، والاعتداد بقولهم ، وهو غير معتدّ به.
وليس قوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) تكريرا لمعنى قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) فإنّ فائدة قوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا) تكذيب دعواهم ، وقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم : ولكن قولوا أسلمنا حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ؛ لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير فى «قولوا». قاله النّسفى.
(وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بالإخلاص وترك النّفاق (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) من أجورها. يقال : ألت يألت (٢) ، وألات يليت ، ولات يليت ، بمعنى ، وهو النّقص ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما فرط من الذنوب ، (رَحِيمٌ) يستر العيوب.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) ؛ لم يشكّوا ، من : ارتاب ، مضارع رابه : إذا أوقعه فى الشك والتهمة ، والمعنى : أنهم آمنوا ثم لم يقع فى إيمانهم شك فيما آمنوا ، ولا اتهام لمن صدّقوه ، ولمّا كان الإيقان
__________________
(١) ذكره الواحدي فى أسباب النّزول (ص ٤١٢) والبغوي فى التفسير (٧ / ٣٤٩) بدون إسناد ، وعزاه ابن كثير فى التفسير (٤ / ٢١٩ ـ ٢٢) للبزار ، عن ابن عباس رضي الله عنه.
(٢) بضم اللام وكسرها ، انظر البحر المحيط (٨ / ١٠٤).