وقوله : مالفخر إلا لأهل العلم .. إلخ ، يعنى : لو كان الفخر مباحا ما أبيح إلّا لهم ، وإلا فهم أولى بالتواضع ، اقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد قال : «من تواضع دون قدره رفعه الله فوق قدره» (١) فما رفع الله قدر العلماء إلا بتواضعهم حتى ينالهم الشريف والوضيع ، والصغير والكبير ، والقوى والضعيف ، فمن لم يكن هكذا فليس بعالم ؛ لأنّ الخشية تحمل على التواضع ، ومن لم يخش فليس بعالم حقيقة. قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٢).
وقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ، اعلم أنّ نصيب كلّ عبد من الله تعالى على قدر تقواه ، وتقواه على قدر توجهه إلى الله ، وتوجهه على قدر تفرغه من الشواغل ، وتفرغه على قدر زهده ، وزهده على قدر محبته ومحبته على قدر علمه بالله ، وعلمه على قدر يقينه ، ويقينه على قدر كشف الحجاب عنه ، وكشف الحجاب على قدر جذب العناية ، وجذب العناية على قدر السابقة ، وهى سر القدر الذي لم يكشف فى هذه الدار. وسقوط العبد من عين الله على قدر قلة تقواه ، وقلة تقواه على قدر ضعف توجهه ، وضعف توجهه على قدر تشعب همومه ، وتشعب همومه على قدر حرصه ورغبته فى الدنيا ، ورغبته فى الدنيا على قدر ضعف محبته فى الله ، وضعف محبته على قدر جهله به ، وجهله على قدر ضعف يقينه ، وضعف اليقين من كثافة الحجاب ، وكثافة الحجاب من عدم جذب العناية ، وعدم جذب العناية من علامة الخذلان السابق ، الذي هو سر القدر. والله تعالى أعلم.
ثم إنّ أساس التقوى : الإيمان الصادق دون الكاذب ، الذي أشار إليه بقوله :
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥))
يقول الحق جل جلاله : (قالَتِ الْأَعْرابُ) أي : بعض الأعراب (آمَنَّا) ، نزلت فى نفر من بنى أسد ، قدموا المدينة فى سنة جدبة ، فأظهروا الإسلام ، ولم يؤمنوا فى السر ، وأفسدوا طرق المدنية بالعذرات ، وأغلوا
__________________
(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ ، وأخرج أحمد فى المسند (٣ / ٣٦) وابن ماجه فى (الزهد ٣ / ٢ / ١٣٩٨ ، ح ٤١٧٦) عن أبى سعيد الخدري ، قال : قال صلىاللهعليهوسلم : «من يتواضع لله سبحانه درجة يرفعه الله به درجة ، ومن يتكبر على الله درجة ، يضعه الله به درجة ، حتى يجعله فى أسفل سافلين».
(٢) الآية ٢٨ من سورة فاطر.