واختار ابن عطية : أن المثل شامل للنبى صلىاللهعليهوسلم وللصحابة ، فإنّ النّبى صلىاللهعليهوسلم بعث وحده ، فهو الزرع ، حبّة واحدة ، ثم كثر المسلمون ، فهم كالشطء ، تقوّى بهم صلىاللهعليهوسلم.
(لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) تعليل لما يعرب عنه الكلام من تشبيههم بالزرع فى ذكائه واستحكامه ، أي : جعلهم كذلك ليغيظ بهم من كفر بالله.
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ؛ استئناف مبيّن لما خصّهم به من الكرامة فى الآخرة ، بعد بيان ما خصّهم به فى الدنيا ، ويجوز أن يرجع لقوله : (ليغيظ بهم ...) إلخ : أي : ليغيظ بهم وعدهم بالمغفرة والأجر العظيم ؛ لأن الكفار إذا سمعوا ما أعدّ لهم فى الآخرة مع ما خصّهم فى الدنيا من العزة والنّصر غاظهم ذلك أشد الغيظ ، و «من» فى «منهم» للبيان ، كقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (١) ، أي : وعد الله الذين آمنوا من هؤلاء.
الإشارة : هو الذي أرسل رسوله بالهدى : بيان الشرائع ، ودين الحق : بيان الحقائق ، فمن جمع بينهما من أمته ظهر دينه وطريقته ، وهذا هو الولىّ المحمدي ، أعنى : ظاهره شريعة ، وباطنه حقيقة ، وما وصف به سبحانه أصحاب الرّسول صلىاللهعليهوسلم هو وصف الصوفية ، أهل التربية النّبوية ، خصوصا طريق الشاذلية ، حتى قال بعضهم : من حلف أن طريق الشاذلية عليها كانت بواطن الصحابة ما حنث. وقوله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) قال الورتجبي : أي : يطلبون مزيد كشف فى الذات والدنو والوصال والبقاء مع بقائه بلا عتاب ولا حجاب ، وهذا محل الرضوان الأكبر. ه.
وقوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) أي : نورهم فى وجوههم ، لتوجههم نحو الحق ، فإنّ من قرب من نور الحق ظهرت عليه أنوار المعرفة ، وجمالها وبهاؤها ، ولو كان زنجيا أو حبشيا ، وفى ذلك قيل :
وعلى العارفين أيضا بهاء |
|
وعليهم من المحبّة نور |
ويقال : السيما للعارفين ، والبهجة للمحبين ، فالسيما هى الطمأنينة ، والرّزانة ، والهيبة والوقار ، كل من رآهم بديهة هابهم ، ومن خالطهم معرفة أحبهم ، والبهجة : حسن السمت والهدى ، وغلبة الشوق ، والعشق ، واللهج بالذكر اللساني. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) من الآية ٣٠ من سورة الحج.