بالليل حسن وجهه بالنّهار» (١) وقال ابن عطية : إنه من قول شريك (٢) لا حديث ، فانظره ، وقال ابن جبير : فى وجوههم يوم القيامة يعرفون به أنهم سجدوا فى الدنيا لله تعالى. ه.
(ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) ، الإشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة ، وما فيها من معنى البعد مع قرب العهد للإيذان بعلو شأنه ، وبعد منزلته فى الفضل ، أي : ذلك وصفهم العجيب الجاري فى الغرابة مجرى الأمثال ، هو نعتهم فى التوراة ، أي : كونهم أشدّاء على الكفار ، رحماء بينهم ، سيماهم فى وجوههم.
ثم ذكر وصفهم فى الإنجيل فقال : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ ..) إلخ ، وقيل : عطف على ما قبله ، بزيادة «مثل» ، أي : ذلك مثلهم فى التوراة والإنجيل ، ثم بيّن المثل فقال : هم كزرع (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) فراخه ، يقال : أشطأ الزرع : أفرخ ، فهو مشطىء ، وفيه لغات : شطأه بالسكون والفتح ، وحذف الهمزة ، كقضاة. و «شطه» ، بالقصر. (فَآزَرَهُ) ؛ فقوّاه ، من : المؤازرة ، وهى الإعانة ، (فَاسْتَغْلَظَ) ؛ فصار من الرّقة إلى الغلظ ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) ؛ فاستوى على قصبه ، جمع : ساق ، (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) يتعجبون من قوّته ، وكثافته ، وغلظه ، وحسن نباته ومنظره. وهو مثل ضربه الله لأصحابه صلىاللهعليهوسلم فى بدء الإسلام ، ثم كثروا واستحكموا ، بترقى أمرهم يوما بيوم ، بحيث أعجب النّاس أمرهم ، فكان الإسلام يتقوى كما تقوى الطاقة من الزرع ، بما يحتفّ بها مما يتولّد منها.
وقيل : مكتوب فى الإنجيل : سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر (٣). وعن عكرمة : أخرج شطأه بأبى بكر ، فآزره بعمر ، فاستغلظ بعثمان ، فاستوى على سوقه بعلي. (٤). وحكى النّقاش عن ابن عباس ، أنه قال : الزرع النّبى صلىاللهعليهوسلم ، فآزره علىّ بن أبى طالب ، فاستغلظ بأبى بكر ، فاستوى على سوقه بعمر. ه.
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة فى (إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء فى قيام الليل ، ح ١٣٣٣) قال : «حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي ، ثنا ثابت بن موسى أبو يزيد ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبى سفيان ، عن جابر رضي الله عنه الحديث» ورفعه ..
(٢) «شريك» أحد رواة الحديث. قال السندي : معنى الحديث ثابت بموافقة القرآن ، وشهادة التجربة ، لكن الحفّاظ على أن الحديث بهذا اللفظ غير ثابت. وأخرج البيهقي فى الشعب ، عن محمد بن عبد الرّحمن بن كامل قال : قلت لمحمد بن عبد الله بن نمير : ما تقول فى ثابت بن موسى؟ قال : شيخ له فضل وإسلام ودين وصلاح وعبادة ، قلت : ما تقول فى هذا الحديث؟ قال : غلط من الشيخ ، وأما غير ذلك فلا يتوهم عليه. وقد تواردت أقوال الأئمة على عدّ هذا الحديث فى الموضوع ، على سبيل الغلط ، لا العمد ، وخالفهم القضاعي فى مسند الشهاب ، فمال فى الحديث إلى ثبوته. انظر حاشية سنن ابن ماجة (١ / ٤٢٣). وانظر أيضا ـ تفسير القرطبي (٧ / ٦٣٠٢).
(٣) أخرجه الطبري (٢٦ / ١١٤) عن قتادة.
(٤) انظر هذه الأقوال فى تفسير البغوي (٧ / ٣٢٥).