وروى فى هذا حديث ، وهو أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال له ربه ـ عزوجل ـ فى النّوم : «أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا ، قال : اختصموا فى الكفارات والدرجات ، فأما الكفارات فإسباغ الوضوء على المكاره ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وأما الدرجات ؛ فإفشاء السّلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والنّاس نيام» (١). رواه الترمذي.
و «إذ يختصمون» : متعلق بمحذوف يقتضيه المقام ؛ إذ المراد نفى علمه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بحالهم لا بذواتهم ، والتقدير : ما كان لى فيما سبق علم بما يوحيه فى شأن الملأ الأعلى وقت اختصامهم. وانظر أبا السعود.
(إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : ما يوحى إلىّ ما يوحى من الأمور الغيبية ، التي من جملتها حال الملأ الأعلى ، إلا لأنما أنا نذير مبين من جهته تعالى ، فحذف اللام وانتصب بإيصال الفعل إليه ، ويجوز أن يرتفع بالنيابة عن الفاعل ، أي : ما يوحى إلىّ إلا هذا ، وهو أن أنذر وأبلّغ ، ولا أفرط فى ذلك ، أي : ما أومر إلا بهذا الأمر وحده ، وليس إلىّ غير ذلك. وقرىء بكسر «إنما» (٢) على الحكاية ، أي : إلا هذا القول ، وهو : أن أقول لكم : إنما أنا نذير مبين ، ولا ادّعى شيئا آخر.
الإشارة : تربية اليقين تطلب فى ثلاثة أمور ؛ فى توحيد الألوهية ، بالتبري من الشرك الجلّى والخفي. وهو مفاد قوله : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ ...) إلخ. وفى تصديق الواسطة ، وهو النّذير المبين ، بتعظيمه واتباع سنته ومنهاجه القويم ، وفى التصديق بما جاء به ، وهو النّبأ العظيم ، على أىّ تفسير كان ، إما القرآن ، باتباعه ، والتدبر فى معانيه ، أو : يوم القيامة ، بالتأهب له ، وجعله نصب العين. وبالله التوفيق.
ثم فسّر الاختصام المتقدم ، فقال :
(إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ
__________________
(١) أخرجه الترمذي فى (التفسير ـ سورة «ص» ح ٣٢٣٤ و ٣٢٣٥) من حديث ابن عباس ، ومعاذ بن جبل ـ رضي الله عنهما. وقال عن حديث ابن عباس : حسن غريب. وعن حديث معاذ : حسن صحيح.
(٢) وهى قراءة أبى جعفر المدني. انظر الإتحاف (٢ / ٤٢٤).