عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧))
يقول الحق جل جلاله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) أي : السكون والطمأنينة ، فعلة ، من : السكون ، كالبهيتة من البهتان ، (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) حتى لم يتضعضعوا من الشروط التي عقدها صلىاللهعليهوسلم مع المشركين ، من ردّ من أسلم منهم ، وعدم ردهم من رجع إليهم ، ومن دخول مكة قابلا بلا سلاح ، وغير ذلك مما فعله صلىاللهعليهوسلم معهم بالوحى ، وما صدر عن عمر رضي الله عنه فلشدة قوته وصلابته ، وما زال يعتق ويفعل أمورا كفارة لذلك. وقيل : (السكينة) : الصبر على ما أمر به الله من الشرائع والثقة بوعد الله ، والتعظيم لأمر الله ، (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) أي : يقينا إلى يقينهم ، أو : إيمانا بالشرائع مع إيمانهم بالعقائد.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : بعث الله نبيه بشهادة «ألا إله إلا الله» فلما صدّقوه فيها ، زادهم الصلاة ، فلما صدّقوه ، زادهم الزكاة ، فلما صدّقوه ، زادهم الحج ، فلما صدّقوا زادهم الجهاد ، ثم أكمل لهم دينهم (١) ، فذلك قوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يدبرها كما يريد ، يسلط بعضها على بعض تارة ، ويوقع الصلح بينهما أخرى ، حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح ، (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) ؛ مبالغا فى العلم بجميع الأمور ، (حَكِيماً) فى تدبيره وتقديره.
(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، اللام متعلق بما يدل عليه ما ذكر من قوله : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من معنى التصرف ، أي : دبّر ما دبّر من تسليط المؤمنين ، ليعرفوا نعمة الله ويشكروها ، فيدخلهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ، وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي : يغطّى عنهم مساوئهم ، فلا يظهرها لهم ولا لغيرهم. وتقديم الإدخال على التكفير ، مع أن الترتيب فى الوجود على العكس ؛ للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى. (وَكانَ ذلِكَ) أي : ما ذكر من الإدخال والتكفير (عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) لا يقادر قدره ؛ لأنه منتهى
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢٦ / ٧٢) وزاد السيوطي فى الدر المنثور (٦ / ٦٢) عزوه لابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي فى الدلائل.
هذا ، وعلى هامش النّسخة الأم ما يلى : قلت : هذا يقتضى أن الحج فرض قبل الجهاد ، وليس كذلك ، بل الجهاد فرض قبل الزكاة ، فينبغى أن لا يكون هذا صحيحا. ه.