بفعل من الأفعال ، وما ورد فى الآيات والأحاديث مما يوهم الغرض والعلة فإنه يحمل على الغايات المترتبة والحكمة ، فاحتفظ بذلك. قاله صاحب الحاشية الفاسية. واللائق أن المعنى : إنا فتحنا لك وقضينا لك بأمر عاقبته أن جمع الله لك بين سعادة الدنيا والآخرة ، بأن غفر لك ، وأتم نعمته عليك وهداك ، ونصرك. فاللام لام العاقبة لا لام العلة ؛ فإن إفضال الله على رسوله لا يعلل ولا يوازى بعمل. ه.
(وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعلاء الدين ، وضم الملك إلى النّبوة ، وغيرها مما أفاض عليه من النّعم الدينية والدنيوية ، (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي : يثبتك على الطريق القويم ، والدين المستقيم ، والاستقامة وإن كانت حاصلة قبل الفتح ، لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبيل الحق ، واستقامة مناهجه ، ما لم يكن حاصلا قبل. (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) أي : يظهر دينك ، ويعزّك ، فإظهار الاسم الجليل لكونه خاتمة الغايات ، ولإظهار كمال العناية بشأن النّصر ، كما يعرب عنه تأكيده بقوله : (نَصْراً عَزِيزاً) أي : نصرا فيه عزة ومنعة ، أو : قويا منيعا ، على وصف المصدر بوصف صاحبه ، مجازا ، للمبالغة ، أو : عزيزا صاحبه.
الإشارة : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا ، بأن كشفنا لك عن أسرار ذاتنا ، وأنوار صفاتنا ، وجمال أفعالنا ، فشاهدتنا بنا ، ليغفر لك الله ، أي : ليغيبك عن وجودك فى شعور محبوبك ، ويستر عنك حسك ورسمك ، حتى تكون بنا فى كل شىء ، قديما وحديثا ، قال القشيري : وذنب الوجود هو الشرك فى الوجود ، وغفره : ستره بنور الوحدة ، لمحو ظلمة الاثنينية ه. ويتم نعمته عليك بالجمع بين شهود الرّبوبية ، والقيام بآداب العبودية ، ودلالة الخلق على شهود قيام الديمومية ، ويهديك طريقا مستقيما توصل إلى حضرتنا ، فتسلكها وتبينها لمن يكون على قدمك ، وينصرك الله نصرا عزيزا ، بالتمكن فى شهود ذاتنا ، والعكوف فى حضرتنا ، محفوفا بالنصرة والعناية ، محمولا فى محفّة الرّعاية.
ولمّا نزل قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) قال المؤمنون : هذا لك يا رسول الله ، فمالنا؟ فأنزل الله (١) :
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (المغازي ، باب غزوة الحديبية ح ٤١٧٢) من حديث أنس ، وفيه : «فنزلت عليه (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) الآية».