ولمّا ذمّ الذين كرهوا الجهاد ، أمر المؤمنين بالطاعة فيه ، وألّا يكونوا أمثال أولئك ، فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ) فيما يأمركم به من الجهاد وغيره (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فيما سنّه لكم ، (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بما أبطل به هؤلاء أعمالهم من الكفر والنّفاق ، وغير ذلك من مفسدات الأعمال ، كالعجب والرّياء ، والمن والأذى ، وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر ، خلافا للمعتزلة ، أو : لا تبطلوا أعمالكم بأن تقطعوها قبل تمامها. وبها احتج الفقهاء على وجوب إتمام العمل ؛ فأوجبوا على من شرع فى نافلة إتمامها ، وأخذه عن الآية ضعيف ؛ لأن السياق إنما هو فى إحباط العمل بالكفر ، لقوله قبل : (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) ثم قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لا تكونوا كهؤلاء الذين أحبط الله أعمالهم ؛ بكفرهم وصدهم عن سبيل الله ، ومشاقتهم الرّسول ، ويؤيده أيضا : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ، هذا عام فى كلّ من مات على الكفر ، وإن صح نزوله فى أهل القليب (١).
(فَلا تَهِنُوا) ؛ لا تضعفوا عن الجهاد (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) ، أي : لا تدعوا الكفار إلى الصلح والمسالمة ؛ فإن ذلك إعطاء الدنيّة ـ أي : الذلة ـ فى الدين ، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار «أن» فى جواب النّهى ؛ أي : لا تهنوا مع
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٧ / ٢٩٠) والقرطبي (٧ / ٦٢٦٢).