ثم ذكر اختباره لأهل الصدق ، فقال :
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي : والله لنختبرنّكم بالأمر بالجهاد ، ونحوه من التكاليف الشاقة ، أي : نعاملكم معاملة المختبر ؛ ليكون أبلغ فى إظهار العدل ، (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) على مشاق الجهاد والتكاليف ، علما ظاهرا ، يتعلق به الجزاء بعد تعلق العلم به فى الأزل ، (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي : ونختبر أسراركم بإظهار ما فيها من خير أو شر ، بالنهوض أو التخلف ، وقيل : أراد بأخباركم : أعمالكم ، عبّر بالأخبار عن الأعمال على سبيل الكناية ؛ لأن الإخبار تابع لوجود المخبر عنه ، إن كان الخبر حسنا كان المخبر عنه ـ وهو العمل ـ حسنا ، وإن كان الخبر قبيحا فالمخبر عنه قبيح. ه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي : عادوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) بما شاهدوا من نعته فى التوراة ، وبما ظهر على يديه من المعجزات ، ونزل من الآيات ، وهم بنوا قريظة والنّضير ، أو : المطعمون يوم بدر من رؤساء قريش ، (لَنْ يَضُرُّوا) بكفرهم وصدهم (اللهَ شَيْئاً) من الأشياء ، أو : شيئا من الصد ، أو : لن يضروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمشاقته ، وقد حذف المضاف ؛ لتعظيم شأنه وتعظيم مشاقته. (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) أي : مكائدهم التي نصبوها فى إبطال دينه تعالى ، ومشاقة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فلا يصلون بها إلى ما كانوا يبغون من الغوائل ، ولا يثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم.
الإشارة : قال القشيري : فى الابتلاء والامتحان يتبين جواهر الرّجال ، فيظهر المخلص ، ويفتضح الممارق (١) ، وينكشف المنافق. ه. وكان الفضيل إذا قرأ هذه الآية بكى ، وقال : اللهم لا تبلنا ؛ فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا. ه. ويبغى أن يزيد : وإن بلوتنا فأيّدنا ، وبالله التوفيق. إن الذين جحدوا وصدوا النّاس عن طريق الوصول ، وخرجوا عن منهاج السنة ، لن يضروا الله شيئا ؛ فإن لله رجالا يقومون بالدعوة ، لا يضرهم من عاداهم ، حتى يأتى أمر الله ، وسيحبط أعمال الصادّين المعوّقين ، فلا ينهضون إلى الله نهوض الرّجال ، بشؤم انتقادهم. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) فى القشيري : المماذق.