مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٣٠))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) أي : رجعوا إلى الكفر ، وهم المنافقون ، الذين وصفوا قبل بمرض القلوب ، وغيره ، من قبائح الأفعال والأحوال ، فإنهم كفروا به صلىاللهعليهوسلم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) بالدلائل الظاهرة ، والمعجزات القاهرة. وقيل : اليهود ، وقيل : أهل الكتابين جميعا ، كفروا به صلىاللهعليهوسلم بعد ما وجدوا نعته فى كتابهم ، وعرفوا أنه المنعوت بذلك ، وقوله تعالى : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) ، الجملة : خبر «إن» أي : الشيطان زيّن لهم ذلك ، أو : سهّل لهم ركوب العظائم ، من : السّول ، وهو الاسترخاء ، أي : أرخى العنان لهم ، حتى جرّهم إلى مراده ، (وَأَمْلى لَهُمْ) ؛ ومدّ لهم فى الآمال والأمانى ، وقرأ البصري : «وأملى» بالبناء للمفعول ، أي :
أملهوا ومدّ فى عمرهم.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) الإشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم ، لا إلى الإملاء ، ولا إلى التسويل ـ كما قيل ـ إذ ليس شيئا منهما سببا فى القول الآتي ؛ أي : ذلك الارتداد بسبب أنهم ـ أي المنافقون ـ قالوا لليهود الذين كرهوا ما نزّل الله من القرآن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ما علموا أنه من عند الله حسدا وطمعا فى نزوله عليهم : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أي : عداوة محمد [والقعود عن] (١) نصر دينه ، أو : فى نصرهم والدفع عنهم إن نزل بهم شىء ، من قبله عليهالسلام ، وهو الذي حكاه عنهم بقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ ...) الآية (٢) وهم بنو قريظة والنّضير ، الذين كانوا يوالونهم ويوادونهم ، وإنما كانوا يقولون لهم ذلك سرا ، كما ينبئ عنه قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) (٣) أي : جميع أسرارهم التي من جملتها : قولهم هذا ، وقرأ الأخوان وحفص بكسر الهمزة مصدر ، أي : إخفاءهم لما يقولون لليهود.
(فَكَيْفَ) تكون حيلتهم وما يصنعون (إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) حال كونهم (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) ، وهو تصوير لحال توفيهم على أهول الوجوه وأفظعها. وعن ابن عباس رضي الله عنه : «لا يتوفى أحد على
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ليس فى الأصول ، وأثبته لاقتضاء السياق له.
(٢) الآية ١١ من سورة الحشر.
(٣) قرأ حفص وحمزة والكسائي «إسرارهم» بكسر الهمزة ، مصدر «أسرّ» ، وقرأ الباقون «بالهمزة المفتوحة» جمع : سرّ.
انظر الهداية للمهدوى (٢ / ٥١٦) والإتحاف ٢ / ٤٧٨.