معصية إلا تضرب الملائكة وجهه ودبره» (١). (ذلِكَ) التوفى الهائل (بِأَنَّهُمُ) ، بسبب أنهم (اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من الكفر والمعاصي ومعاونة الكفرة ، (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) من الطاعة والإيمان ونصر المؤمنين ، (فَأَحْبَطَ) لأجل ذلك (أَعْمالَهُمْ) التي عملوها حال الإيمان وبعد الارتداد ، من أعمال البر.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، هم المنافقون الذين فصلت أحوالهم الشنيعة ، (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) ؛ أحقادهم ، ف «أم» منقطعة ، وأ «ن» مخففة ، واسمها : ضمير الشأن ، أي : أظن المنافقون الذين فى قلوبهم حقد وعداوة أنه لن يخرج الله حقادهم ، ولن يبرزها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، فيبقى أمورهم مستورة؟ بل لا يكاد يدخل ذلك تحت الاحتمال.
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) ودللناك عليهم بأمارات ، حتى تعرفهم بأعينهم ، معرفة مزاحمة للرؤية. والالتفات لنون العظمة لإبراز العناية بالإرادة ، وفى مسند أحمد ، عن ابن مسعود : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : «إن منكم منافقين ، فمن سميت فليقم ، ثم قال : قم يا فلان ، حتى سمى ستة وثلاثين» (٢) انظر الطيبي. (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) ؛ بعلامتهم التي نسمهم بها ، وعن ابن عباس رضي الله عنه : ما خفى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد هذه الآية شىء من المنافقين ؛ كان يعرفهم بسيماهم ، ولقد كنا فى بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين ، يشكرهم النّاس (٣) ؛ فناموا ، فأصبح على وجه كلّ واحد منهم مكتوب : هذا منافق» (٤) قال ابن زيد : قصد الله إظهارهم ، وأمرهم أن يخرجوا من المسجد ، فأبوا إلا أن يتمسكوا بلا إله إلا الله ، فحقنت دمائهم ، ونكحوا ونكح منهم بها.
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) أي : والله لتعرفنهم (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي : مجراه وأسلوبه وإمالته عن الاعتدال ؛ لما فيه من التذويق والتشديق ، وقد كانت ألسنتهم حادة ، وقلوبهم خاربة ، كما قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ...) الآية (٥) ، من فى قلبه شىء لا بد أن يظهر على لسانه ، كما قيل : «ما كمن فيك ظهر على فيك». وهذه الجمل كلها داخلة تحت «لو» معلقة بالمشيئة ، واللحن يطلق على وجهين : صواب وخطأ ، فالفعل من الصواب : لحن يلحن لحنا ،
__________________
(١) ذكره القرطبي (٧ / ٦٢٥٧) بنحوه.
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٥ / ٢٧٣) والطبراني فى الكبير (١٧ / ٢٤٦ ح ٦٨٧).
(٣) فى القرطبي : يشك فيهم النّاس.
(٤) على هامش النّسخة الأم مايلى : «هذا غريب جدا ، بل باطل عن ابن عباس». قلت : والخبر ذكره القرطبي فى التفسير (٧ / ٦٢٥٩) عن أنس.
(٥) الآية ٤٠٢ من سورة البقرة.