فعظم فى عينى ، فما زالت فى نفس عمر رضي الله عنه ـ حتى ولّى الخلافة ، فاستعان بذلك الفتى (١). ه. وفى الحديث : «إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له قفل قلبه ، وجعل فيه اليقين» (٢).
الإشارة : أهل التوجه والرّياضة يفرحون بما ينزل بهم ، مما يثقل على نفوسهم ، كالفاقات والأزمات ، وتسليط الخلق عليهم ، وغير ذلك من النّوائب ؛ لتموت نفوسهم ؛ فتحيا قلوبهم وأرواحهم بمعرفة الله ، والذين فى قلوبهم مرض كالوساوس والخواطر يفرون من ذلك ، وينظرون ـ حين يرون أمارات ذلك ـ نظر المغشى عليه من الموت ، فالأولى لهم الخضوع تحت مجارى الأقدار ، والرّضا والتسليم لأحكام الواحد القهار ، فإذا عزم الأمر بالتوجه إلى جهاد النّفس ، أو بالسفر إلى من يداويها ، فلو صدقوا فى الطلب ، وتوجهوا للطبيب ، لكان خيرا لهم. فهل عسيتم إن توليتم وأعرضتم عن ذلك ، ولم تسافروا إلى الطبيب ، أن تفسدوا فى الأرض بالمعاصي والغفلة ، وتقطعوا أرحامكم ، إذ لا يصل رحمه حقيقة إلا من صفا قلبه ، ودخله الخوف والهيبة ، أولئك الذين أبعدهم الله عن حضرته ، فأصمّهم عن سماع الداعي إلى الله ، وأعمى أبصارهم عن رؤية خصوصيته ، وأنوار معرفته ، أفلا يتدبرون القرآن ، فإنّ فيه علوم الظاهر والباطن ، لكن إذا زالت عن القلوب الأقفال ، وحاصلها أربعة : حب الدنيا ، وحب الرّئاسة ، والانهماك فى الحظوظ والشهوات ، وكثرة العلائق والشواغل ، فإن سلم من هذه صفا قلبه ، وتجلت فيه أسرار معانى الذات والصفات ، فيتدبر القرآن ، ويغوص فى بحر أسراره ، ويستخرج يواقيته ودرره. وبالله التوفيق.
ثم ذكر من رجع بعد التوجه ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢٦ / ٥٨) والبغوي فى التفسير (٧ / ٢٨٧) وزاد السيوطي عزوه فى الدر (٦ / ٥٢) لإسحاق بن راهويه ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، عن عروة.
(٢) ذكره فى كنز العمال (ح ٣٠٧٦٨) وعزاه لأبى الشيخ عن أبى ذر. وقال المناوى فى الفيض (١ / ٢٦٠) : «وفيه سعيد بن إبراهيم ، قال الذهبي : مجهول». وبقية الحديث : «جعل فيه اليقين والصدق ، وجعل قلبه واعيا لما سلك فيه ، وجعل قلبه سليما ، ولسانه صادقا ، وخليقته مستقيمة ، وجعل أذنه سميعة ، وعينه بصيرة».