الحاشية الفاسية : والأشهر أنه من الولاية ، أي : إن وليتم الحكم ، وقد جاء حديث أنهم قريش ؛ أخذ الله عليهم إن ولوا أمر النّاس ألا يفسدوا ، ولا يقطعوا الأرحام ، قاله ابن حجر (١). ه.
وخبر «عسى» : «أن تفسدوا» ، والشرط اعتراض بين الاسم والخبر ، والتقدير : فهل عسيتم أن تفسدوا فى الأرض إن توليتم. تقول : عسى يا فلان إن فعلت كذا أن يكون كذا ، فهل عسيت أنت ذلك ، أي : فهل توقعت ذلك؟ (أُولئِكَ) المذكورون ، فالإشارة إلى المخاطبين ، إيذانا بأن ذكر مساوئهم أوجب إسقاطهم عن رتبة الخطاب ، وحكاية أحوالهم الفظيعة لغيرهم ، وهو مبتدأ ، وخبره : (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) ؛ أبعدهم عن رحمته ، (فَأَصَمَّهُمْ) عن استماع الحق والموعظة لتصاممهم عنه بسوء اختيارهم ، (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) لتعاميهم عما يشاهدونه من الآيات المنصوبة فى الأنفس والآفاق.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فيعرفون ما فيه من المواعظ والزواجر ؛ حتى لا يقعوا فيما وقعوا فيه من الموبقات ، (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) فلا يصل إليها وعظ أصلا ، و «أم» منقطعة ، وما فيها من معنى «بل» للانتقال من التوبيخ على عدم التدبر إلى التوبيخ بكون قلوبهم مقفلة ، لا تقبل التدبر والتفكر ، والهمزة للتقرير. وتنكير «قلوب» ، إما لتهويل حالها ، وتفظيع شأنها ، بإبهام أمرها فى الفساد والجهالة ، كأنه قيل : قلوب منكرة لا يعرف حالها ، ولا يقادر قدرها فى القسوة ، وإما لأنّ المراد بها قلوب بعض منهم ، وهم المنافقون ، وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أنها مخصوصة بها ، مناسبة لها ، غير مجانسة لسائر الأفعال المعهودة.
قال القشيري : إذا تدبروا القرآن أفضى بهم إلى حس العرفان ، وأزاحهم عن ظلمة التحيّر (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) أقفل الحقّ على قلوب الكفار ، فلا يدخلها زواجر التنبيه ، ولا تنبسط عليها شعاع العلم ، ولا يحصل فيهم الخطاب ، والباب إذا كان مقفلا ، فكما لا يدخل فيه شىء لا يخرج ما فيه ، كذلك هى قلوب الكفار مقفلة ؛ فلا الكفر الذي فيها يخرج ، ولا الإيمان الذي يدعون إليه يدخل فى قلوبهم. ه.
وقال ابن عطية : هو الرّان الذي منعهم من الإيمان ، ثم ذكر حكاية الشاب ، وذلك أن وفد اليمن قدم على النّبىّ صلىاللهعليهوسلم وفيهم شاب ، فقرأ عليهم النّبىّ صلىاللهعليهوسلم هذه الآية ، فقال الشابّ : عليها أقفالها حتى يفتحها الله ويفرجها ، قال عمر :
__________________
(١) فى فتح الباري (التفسير ، سورة سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم ٨ / ٤٤٥) وعزى ابن حجر الحديث المشار إليه للطبرى فى تهذيبه ، من حديث عبد الله بن مغفل. ونصه : «سمعت النّبى صلىاللهعليهوسلم يقول : (فَهَلْ ، عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) قال : هم هذا الحي من قريش ، أخذ الله عليهم إن ولوا النّاس أن لا يفسدوا فى الأرض ولا يقطعوا أرحامهم».