الْعِلْمَ) من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ : (ما ذا قالَ آنِفاً) ؛ ما الذي قال الساعة؟ على طريقة الاستهزاء ، أو : ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه؟.
وقال مقاتل : كان النّبى صلىاللهعليهوسلم يخطب ، ويعيب المنافقين ، فسمع المنافقون قوله ، فلما خرجوا من المسجد ، سألوا ابن مسعود عما قال النّبى صلىاللهعليهوسلم استهزاء (١). وقال ابن عباس : «أنا من الذين أتوا العلم ، وقد سئلت فيمن سئل» (٢). ويقال : الناس ثلاثة : سامع عامل ، وسامع غافل ، وسامع تارك.
(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) لعدم توجهها إلى الخير أصلا ، (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) الباطلة ، فلذلك فعلوا ما فعلوا ، مما لا خير فيه ، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) إلى طريق الحق (زادَهُمْ) الله بذلك (هُدىً) علما وبصيرة ، أو شرح صدر بالتوفيق والإلهام ، أو : زادهم ما سمعوا من الرّسول صلىاللهعليهوسلم هداية على ما عندهم ، (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) ؛ أعانهم عليها ، أو : آتاهم جزاء تقواهم ، أو : بيّن لهم ما يتقون.
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ) أي : ما ينتظرون (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي : تباغتهم بغتة ، وهى الفجاءة ، والمعنى : أنهم لا يتذكرون بأحوال الأمم الخالية ، ولا بالإخبار بإتيان الساعة ، وما فيها من عظائم الأهوال ، وما ينظرون إلا إتيان نفس الساعة بغتة ، (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) ؛ علاماتها ، جمع : شرط بالتحريك ، بمعنى : العلامة ، وهى مبعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، وانشقاق القمر ، والدخان ، على قول. وقيل : قطع الأرحام ، وقلة الكرام ، وكثر اللئام ، فقوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) تعليل لمفاجأتها ، لا لمطلق إتيانها ، على معنى : أنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكير أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة ، إذ قد جاء أشراطها ، فلم يرفعوا لها رأسا ، ولم يعدوها من مبادئ إتيانها ؛ فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة.
(فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) ، قال الأخفش : التقدير : فأنّى لهم ذكراهم إذا جاءتهم ، أي : فمن أين لهم التذكير والاتعاظ إذا جاءتهم الساعة؟ ف «ذكراهم» : مبتدأ ، و «أنّى» : خبر مقدم ، و «إذا جاءتهم» : اعتراض ، وسط بينهما ، رمز إلى غاية سرعة مجيئها ، والمقصود : عدم نفع التذكير عند مجيئها ، كقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (٣).
__________________
(١) ذكره البغوي فى تفسيره (٧ / ٢٨٣).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٦ / ٥١) والحاكم (التفسير ٢ / ٤٥٧) بلفظ : «كنت فيمن يسئل» والحديث صحّحه الحاكم ، من طريق سعيد بن جبير ، ووافقه الذهبي.
(٣) من الآية ٢٣ من سورة الفجر.