ومن شرب بكأس الصفا خلص له عن كلّ شوب بلا كدورة فى عهده ، فهو فى كلّ وقت ظامئ عن نفسه ، خال عن مطالباته ، قائم به ، بلا شغل فى الدنيا ولا فى الآخرة ، ومن شرب كأس الولاء عدم فيه القرار ، ولم يغب سيره لحظة ، ليلا ولا نهارا ، ومن شرب فى حال اللقاء أنس على الدوام ببقائه ؛ فلم يطلب مع بقائه شيئا آخر ، لا من عطائه ولا من لقائه ؛ لاستهلاكه فى علائه عند سطوات كبريائه. ه.
قلت : أما شراب الوفاء ؛ فهو عقد الإرادة مع الشيخ ، أو عقد المحبة والخدمة مع الحق ، فيجب الوفاء بكلّ منهما ، وهو كشرب العطشان من الماء العذب ، وأما شراب الصفاء فهو صفاء العلم بالله ، وهو كاللبن تتغذى به الأرواح فى حال ترقيها إلى الحضرة ، وأما شراب الولاء فهو شراب أهل التمكين من الولاية الكبرى ، فيشربون من الخمرة الأزلية ، فيسكرون ، ثم يصحون ، وفيها يقول الششترى رضي الله عنه :
لا شراب الدوالي ، إنها أرضيه |
|
خمرها دون خمرى ، خمرتى أزليه (١) |
وأما شراب حال اللقاء ؛ فالمراد به : أوقات رجوعهم إلى البقاء ، فيتفننون فى علوم الحكمة وحلاوة المعاملة.
والله تعالى أعلم.
ثم شفع بأضدادهم ، فقال :
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨))
قلت : (آنفا) : قال الزمخشري ومن تبعه : ظرف ، أي : الساعة ، وقال أبو حيان : لا أعلم أحدا عدّه من الظروف ، وجوّز «مكىّ» فيه الظرف والحالية ،. قال الهروي : «آنفا» مأخوذة من : ائتنفت الشيء : إذا ابتدأته ، وروضة أنف : إذا لم ترع. المعنى : ما ذا قال فى وقت يقرب من وقتنا؟. و (أن تأتيهم) : بدل اشتمال من الساعة.
يقول الحق جل جلاله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) ، وهم المنافقون ، كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويسمعون كلامه ولا يعونه ، ولا يراعونه حق رعايته ، تهاونا منهم ، (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا
__________________
(١) انظر الديوان ص ٣١٠. والدوالى : العنب