ثم حمل فقاتل ، فقتل عددا كثيرا ، ثم رجع إلى مصافه ، فتكالب عليه العدو ، فحمل ثالثة ، وأنشأ يقول :
يا لعبة الخلد قفى ثمّ اسمعي |
|
مالك قاتلنا فكفّى وارجعي |
ثمّ ارجعي إلى الجنان وأسرعى |
|
لا تطمعى لا تطمعى لا تطمعى |
فقاتل رضي الله عنه حتى قتل ـ رحمهالله. ه (١).
قوله تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ، فيه ترغيب وتنشيط لأهل الوعظ والتذكير ، الداعين إلى الله ، الذين يسعون فى إظهار الدين ، وإرشاد عباد الله إلى محبة الله وطاعته. وفى الحديث عنه ـ صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفس محمد بيده ، لئن شئتم لأقسمن لكم ، إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ، ويحببون عباد الله إلى الله ، ويمشون فى الأرض بالنصيحة». وقال أيضا : «الخلق عيال الله ، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله» (٢) وأعظم النّفع : إرشادهم إلى الله ، الذي هو سبب سعادتهم السرمدية.
وقال الورتجبي : نصرة العبد لله : أن يجاهد نفسه وهواه وشيطانه ، فإنهم أعداؤه ، فإذا خاصمها يقويه الله وينصره عليهم ، بأن يدفع شرهم عنه ، ويجعله مستقيما فى طاعة الله ، ويجازيه بكشف جماله ، حتى يثبت فى مقام العبودية ، وانكشاف أنوار الرّبوبية. ه.
قال القشيري : ونصرة الله للعبد بإعلاء كلمته ، وقمع أعدائه. ثم قال فى قوله تعالى : (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) هو إدامة التوفيق ، لئلا ينهزم من صولة أعداء الدين ، ولا يضعف قلبه فى معاداتهم ، ولا ينكسر باطنه ثقة بالله فى إعزاز دينه. ه. ثم ذكر تعالى أضداد الداعين إلى الله ، الناصرين لدينه ، وهم المنتقدون عليهم ، فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) أي : خيبة لهم ، (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، فلا يتوصلون بها إلى معرفته ، لكونها معلولة.
ثم أمر بالتفكر والنّظر ؛ لأنه أقرب الطرق إلى التخلص من غوائل الأعداء ، فقال :
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)
__________________
(١) أخرجه أبو نعيم فى الحلية (١٠ / ١٦٥ ـ ١٦٦).
(٢) أخرجه البيهقي فى الشعب (ح ٧٤٤٥) والطبراني فى الكبير (ح ١٠٠٣٣) وأبو يعلى فى مسنده (٦ / رقم ٣٣١٥ و ٣٣٧٠) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وأخرجه البيهقي فى الشعب (ح ٧٤٤٨) وأبو نعيم فى الحلية (٢ / ١٠٢) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.