إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢))
يقول الحق جل جلاله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) أي : أقعدوا فلم يسيروا (فِي الْأَرْضِ) ، يعنى كفار مكة ، (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم المكذبة؟ فإنّ آثار ديارهم تنبئ عن أخبارهم ، فقد (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، فالجملة : استئناف مبنى على سؤال ، كأنه قيل : كيف كان عاقبتهم؟ فقيل : استأصل الله عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، يقال : دمّره ؛ أهلكه ، ودمّر عليه : أهلك عليه ما يختص به ، قاله أبو السعود. وفى الصحاح : الدمار : الهلاك ، دمّره تدميرا ، ودمّر عليه ، بمعنى. ه. فظاهره : أن معناهما واحد ، وفسره فى الأساس بالهلاك المستأصل ، وقال الطيبي : فى دمّر عليهم تضمين معنى أطبق ، فعدى بعلى ، ولذلك استأصل. ه.
(وَلِلْكافِرِينَ) أي : ولهؤلاء الكافرين السائرين بسيرتهم (أَمْثالُها) أي : أمثال تلك الهلكة المفهومة من التدمير ، أو أمثال عواقبهم أو عقوباتهم ، لكن لا على أنّ لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافه ؛ بل مثله ، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة ، حسبما تعدّد الأمم المعذّبة ، ويجوز أن يكون عذابهم أشدّ من عذاب الأولين ؛ فقد قتلوا وأسروا بأيدى من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم ، والقتل بيد المثل أشد ألما من الهلاك بسبب عام. وقيل : دمّر الله عليهم فى الدنيا ، ولهم فى الآخرة أمثالها.
(ذلِكَ) أي : نصر المؤمنين وهلاك الكافرين فى الحال أو المال (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي : ناصرهم ومعزّهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) فيدفع عنهم ما حلّ بهم من العقوبة ، ولا يخالف هذا قوله : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) (١) ؛ لأن المولى هناك بمعنى المالك.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، وهذا بيان لحكم ولاية الله لهم وثمرتها الأخروية ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) فى الدنيا بمتاعها أياما قلائل ، (وَيَأْكُلُونَ) غافلين عن عواقبهم ، غير متفكرين فيها (كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) فى مسارحها ، غافلة عما هى بصدده من النّحر والذبح ، فالتشبيه بالأنعام صادق بالغفلة عن تدبير العاقبة ، وعن شكر المنعم ، وبعدم التمييز للمضرّ من غيره ، كأ كل الحرام وعدم توقيه ، وكذا كونه غير مقصور على الحاجة ، ولا على وقتها ، وسيأتى فى الإشارة إن شاء الله. (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي : منزل ثواه وإقامته ، والجملة إما حال مقدرة من واو (يأكلون) ، أو استئناف.
__________________
(١) من الآية ٦٢ من سورة الأنعام.