بنفوسهم ، فإن ظفروا بها وصلوا. ه. فالإشارة بقوله : (إذا لقيتم الذين كفروا ...) إلخ إلى قتل الهوى والشيطان وسائر القواطع ، حتى إذا أثخنتموهم فشدّوا وثاقهم ، ولا تأمنوا غائلتهم.
قال القشيري ، بعد كلام : وكذلك العبد إذا ظفر بنفسه ؛ فلا ينبغى أن يبقى بعد انتقاش شوكها بقية ، ولا فى قلع شجرها مستطاعا وميسورا ؛ فالحيّة إن بقيت منها بقية من الحياة من وضع عليها إصبعه بثّت سمّها فيه. ه. فإذا تمكنتم من معرفة الله ، فإما أن تمنوا عليها بترك جهادها الأكبر ، وإما أن تفدوها بالغيبة عنها فى حلاوة الشهود ، حتى تضع الحرب أوزارها بالموت ، ولو شاء الله لخلّصكم منها من غير جهاد ، فالقدرة صالحة ، ولكن ليختبركم ، فيظهر السائرون من القاعدين مع حظوظهم «لولا ميادين النّفوس ما تحقق سير السائرين» (١). والذين قاتلوا نفوسهم فى سبيل الله وطلب معرفته ، فلن يضلّ أعمالهم ، سيهديهم إلى معرفته ، ويصلح بالهم بالاستغراق فى شهوده ، ويدخلهم جنة المعارف ، قد عرّفها لهم ، وبيّنها على أيدى الوسائط من الشيوخ العارفين ، أو طيّبها لهم ، فيهتدون بنسيم واردات التوجه ، إلى أنوار المواجهة. وقد أشار تعالى بقوله : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى طلب الإخلاص ، فلا يوصل الجهاد الأصغر ولا الأكبر إلى رضوان الله ، أو معرفته ، إلا بتحقق الإخلاص ، من غير التفات لغرض نفسانى ، لا عاجلا ولا آجلا.
ذكر الشيخ أبو نعيم الحافظ : أن ميسرة الخادم ، قال : غزونا فى بعض الغزوات ، فإذا بفتى (٢) جانبى ، وهو مقنع بالحديد ، فحمل على الميمنة ، ثم الميسرة ، ثم على القلب ، ثم أنشأ يقول :
أحسن بمولاك سعيد ظنّا |
|
هذا الذي كنت تمنّى (٣) |
تنح يا حور الجنان عنّا |
|
ما فيك قاتلنا ولا قتلنا |
لكن إلى سيدكنّ اشتقنا |
|
قد علم السر وما أعلنّا |
قال : فحمل فقاتل ، فقتل منهم عددا ، ثم رجع إلى موقفه ، فتكالب عليه العدو ، فحمل ، وأنشأ يقول :
قد كنت أرجو ورجائى لم يخب |
|
ألّا يضيع اليوم كدىّ والطّلب |
يا من ملأ تلك القصور باللعب |
|
لولاك ما طابت ولا طاب الطّرب |
__________________
(١) حكمة عطائية رقم (٢٤٤) انظر الحكم بتبويب المتقى الهندي ص ١٨.
(٢) اسمه «سعيد» كما هو واضح من البيت الأول ، وترجم له أبو نعيم ب «سعيد الشهيد ، المقنع فى الحديد ، المشتاق إلى رؤية المنعم المجيد».
(٣) هكذا فى الأصول ، وفى الحلية : [هذا الذي كنت له تمنى].