أي : المؤمنين بالكافرين ، فأمرهم بالجهاد ليستوجبوا الثواب العظيم ، وليسلم من سبق إسلامه من الكافرين. (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) (١) (فِي سَبِيلِ اللهِ) ؛ لإعلاء كلمة التوحيد ، لا لغرض آخر ، (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) ؛ فلن يضيعها.
(سَيَهْدِيهِمْ) فى الدنيا إلى طريق الرّشد والصواب ، وفى الآخرة إلى جزيل الثواب ، وقيل : يهديهم إلى جواب منكر ونكير ، (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) بأن يقبل أعمالهم ويرضى خصماءهم ، (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ). قال مجاهد : عرفهم مساكنهم فيها ؛ حتى لا يحتاجوا إلى دليل لها (٢) ، أو : طيّبها ، من : العرف ، وهو طيب الرّائحة ، ويمكن الجمع : بأن عرف المحل يهدى صاحبه الى جنته ومحله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) بنصر دينه وإظهار شريعه نبيه (يَنْصُرْكُمْ) على عدوكم ، ويفتح لكم ، (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) فى مواطن الحرب ومواقفها ، أو على محجة الإسلام ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) أي : فيقال : تعسا لهم ، والتعس : الهلاك ، أو السقوط والانحطاط ، أو العثار ، أو البعد. وقال ابن السكيت : التعس : أن يجر على وجهه. ه أي : أتعسهم الله تعسا ، أي : أهلكهم وأبعدهم. وقال ابن عباس : «فى الدنيا بالقتل والأسر ، وفى الآخرة بالتردي فى النّار». والمراد بالذين كفروا عام ، وقيل : المراد من يضاد الذين ينصرون دين الله ، كأنه قيل : إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ، ومن لم ينصره فتعسا له ، فوضع «الذين كفروا» موضع من لم ينصره ؛ تغليظا ، فهو وفق لأسلوب السورة من التقابل المعنوي ، فهو عطف جملة على جملة شرطية مثلها ، ولذلك دخلت الفاء فى خبر الموصول ، كما قرره الزجاج. انظر الطيّبى. ه من الحاشية. (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) أي : أحبطها وأبطلها.
(ذلِكَ) التعس والإضلال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن ؛ لما فيه من التوحيد ؛ وسائر الأحكام ، المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم الأمّارة بالسوء ، (فَأَحْبَطَ) لأجل ذلك (أَعْمالَهُمْ) التي كانوا عملوها ، من صلة الأرحام وغيرها.
الإشارة : نهاية الجهاد الأصغر : وضع الحرب أوزارها بالإسلام أو السّلم ، ونهاية الجهاد الأكبر : استسلام النّفس وانقيادها لما يراد منها ، أو موتها بالغيبة عنها بالكلية. قال بعض العارفين : انتهى سير السائرين إلى الظفر
__________________
(١) قرأ أبو عمرو وحفص (قتلوا) بضم القاف ، وقرأ الباقون (قاتلوا) بفتح القاف ، وتخفيف التاء ، وألف بينهما. انظر : السبعة لابن مجاهد / ٦٠٠ والإتحاف ٢ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦.
(٢) هذا معنى ما قاله مجاهد وأكثر المفسرين. وقول مجاهد أخرجه الطبري ، وفى الصحيح ما يدل على صحة هذا القول ، فقد أخرج البخاري فى (الرقاق ، باب القصاص يوم القيامة ح ٦٥٣٥) عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يخلص المؤمنون من النّار ، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنّار ، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم فى الدنيا حتى إذا هذّبوا ونقّوا أذن لهم فى دخول الجنة ، فوالذى نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله فى الجنة منه بمنزله كان فى الدنيا».