أو : أثقلتموهم بالجراح وهزمتموهم ، (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) أي : فأسروهم ، وشدوا وثاقهم ، لئلا يتفلتوا ، والوثاق بالفتح والكسر : ما يشد به. فإذا أسرتموهم فتخيروا فيهم (فَإِمَّا مَنًّا) أي : فإما أن تمنوا منا بعد الأسر ، (وَإِمَّا فِداءً) : أن تفدوا فداء ، والمعنى : التخير بين الأمرين بعد الأسر ، بين أن يمنّوا عليهم فيطلقوهم ، وبين أن يفادوهم ، ومذهب مالك : أن الإمام مخيّر فى الأسارى بين خمسة ، وهى : المنّ ، والفداء ، والقتل ، والاسترقاق ، وضرب الجزية ، وقيل : لا يجوز المن ولا الفداء ؛ لأن الآية منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) فيتعين قتلهم ، والصحيح أنها محكمة. ومذهب الشافعي : أن الإمام مخير بين أربعة : القتل ، والاسترقاق ، والفداء بأسارى المسلمين ، والمنّ. ولعل لجزية عنده خاصة بأهل الكتاب.
ومذهب أبى حنيفة : التخيير بين القتل والاسترقاق فقط ، قال : والآية منسوخة ؛ لأن سورة براءة آخر ما نزل. وعن مجاهد : ليس اليوم منّ ولا فداء ، والمراد بالمنّ فى الآية ؛ أن يمنّ عليهم بترك القتل ، فيسترقوا ، أو يمنّ عليهم بإعطاء الجزية. ه.
والمشهور : مذهب مالك ؛ لأن النّبى صلىاللهعليهوسلم قتل عقبة بن أبى معيط ، والنّضر بن الحارث ، يوم بدر صبرا ، وفادى سائر الأسارى ، ومنّ على ثمامة بن أثال الحنفي ، وهو أسير ، واسترق نساء بنى قريظة ، فباعهم ، وضرب الجزية على نصارى نجران ومجوس هاجر.
ثم ذكر غاية الحرب فقال : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي : اضربوا رقابهم حتى تضع الحرب أثقالها ، وآلاتها ، التي لا تقوم إلا بها ، كالسلاح والكراع ، وذلك حيث لم يبق حرب ، بأن تضع أهل الحرب عدتها. وقيل : (أوزارها) : آثامها ، يعنى : حتى يترك أهل الحرب المشركين شركهم ، بأن يسلموا جميعا. والمختار : أن المعنى : أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يظهر الإسلام على سائر الأديان ، ويؤمن أهل الكتاب ، طوعا أو كرها ، ويكون الدين كله لله ، فلا يحتاج إلى قتال. وقال الحسن : معناه : حتى لا يعبد إلا الله. وقال ابن عطية : ظاهر اللفظ : أنها استعارة ، يراد بها التزام الأمر كذلك أبدا ، كما تقول : أنا أفعل ذلك إلى يوم القيامة. ه. فالغاية ب «حتى» ، راجعة إلى الضرب والشد ، وما ترتب عليه من المنّ والفداء.
(ذلِكَ) الأمر ذلك ، أو افعلوا ذلك ، (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ) ؛ لانتقم (مِنْهُمْ) بغير قتال ؛ بأن ينزل بهم أسباب الهلاك والاستئصال ، كالخسف أو الرّجف أو غير ذلك ، (وَلكِنْ) أمركم بالقتال (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)
__________________
(١) الآية ٥ من سورة التوبة.