وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ ...) الآية ، قال الورتجبي : اتبع الكفرة ما وقع فى مخايلهم ، من هواجس النّفس ، ووساوس الشيطان ، ولا يقبلون طرائق الرّشد من حيث الوحى والإلهام ، وأنّ الذين صدقوا فى دين الله ، وشاهدوا الله بالله ، اتبعوا سنة رسوله وخطابه ، وما يقع فى أسرارهم من النّور والبيان ، والإلهام والكلام ، بنعت الإخلاص فى طاعته ، والأدب فى خدمته والإعراض عن غيره. قال ابن عطاء : اتباع الباطل : ارتكاب الشهوات وأمالى النّفس ، واتباع الحق : اتباع الأوامر والسنن. ه. قال القشيري : اتباع الحق بموافقة السنة ، ومتابعة الجد فى رعاية الحق وإيثار رضاه ، والقيام بالطاعة ، واتباع الباطل : الابتداع والعمل بالهوى ، وإيثار الحظوظ وارتكاب المعصية. ه.
ثم أقرّ بجهاد من كفر وصدّ ، فقال :
(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩))
قلت : (فضرب) : مصدر ، نائب عن فعله ، مضاف إلى مفعوله ، و (منّا) و (فداء) : مصدران لمحذوف ، و (الذين كفروا) : مبتدأ حذف خبره ، وهو العامل فى المصدر ، أي : والذين كفروا فأتعسهم تعسا ، و (أضل أعمالهم) : عطف على الخبر المحذوف.
يقول الحق جل جلاله : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فى المحاربة (فَضَرْبَ الرِّقابِ) ، أصله : فاضربوا الرقاب ضربا ، فحذف الفعل وناب عن مصدره ؛ للاختصار ، مع إعطاء معنى التوكيد ، لدلالة نصبه على مؤكده ، وضرب الرّقاب عبارة عن مطلق القتل ، والتعبير به عن القتل تصوير له بأشنع صورة وتهويل لأمره ، وإرشاد للغزاة إلى أيسر ما يكون ، (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) ؛ أكثرتم فيه القتل ، وأغلظتموه ، من : الشيء الثخين ، وهو الغليظ ،