وقيل : هم اثنا عشر نبيا ، أرسلوا إلى بنى إسرائيل ، فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء : إنى مرسل عذابى على عصاة بنى إسرائيل ، فشقّ عليهم ، فأوحى الله إليهم : أن اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب ، وأنجيت بنى إسرائيل ، وإن شئتم أنجبتكم وأنزلت ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم ، فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجى بنى إسرائيل ، فسلّط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من رفع على الخشب ، ومنهم من أحرق بالنار. نسأل الله العافية ، فإنهم أقوياء ونحن ضعفاء.
وقيل : «من» للتبيين ، كقولك : اشتريت ثيابا من الخز ، فكلهم أولو العزم ، وقيل : إلا يونس ، لقوله : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (١) وآدم لقوله : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٢).
ثم قال تعالى : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي : لكفار مكة نزول العذاب ، فإنه نازل بهم ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب (لَمْ يَلْبَثُوا) فى الدنيا (إِلَّا ساعَةً) يسيرة (مِنْ نَهارٍ) لما يشاهدونه من شدة العذاب وطول مدته. قال الثعالبي : وإذا علمت أيها الأخ أن الدنيا أضغاث أحلام ، كان من الحزم اشتغالك الآن بتحصيل الزاد للمعاد ، وحفظ الحواس ، ومراعاة الأنفاس ، ومراقبة مولاك ، فاتخذه صاحبا ، ودع النّاس جانبا ، ثم نقل عن الغزالي ما يهيج النّفس إلى النّهوض إلى الله ، والفرار مما سواه ، فانظره.
هذا (بَلاغٌ) أي : هذا الذي وعظتم به كفاية فى الموعظة ، أو تبليغ من الرّسول ، أو منى إليك ، ومنك إلى العالمين. (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) أي : ما يهلك إلا الخارجون عن هذا الاتعاظ ، أو عن هذه المواعظ ، أو عن الطاعة ، أو : فلا يهلك مع هذه المواعظ البالغة ، والأدلة القاطعة إلا من هلك عن بينة ، أو : فلا يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا الهالكون ، ونظير ما ختم به هنا ما ختم به سورة الأنبياء : (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) الآية (٣).
فائدة : قال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها ، فليكتب هاتين الآتين الكريمتين فى صحيفة ، ثم تغسل وجهها منها ، وتسقى منها : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، لا إله إلا الله ، العظيم الحليم ، سبحان الله رب السموات والأرض ، ورب العرش العظيم ، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ). صدق الله العظيم. ه.
__________________
(١) الآية ٤٨ من سورة القلم.
(٢) الآية ١١٥ من سورة طه.
(٣) الآية ١٠٦ من سورة الأنبياء.