الإشارة : أولو العزم من الأولياء هم أولو الجد والتشمير ، قد خلّصهم البلاء وشحّرهم ، فهم جلاليون الظاهر ، جماليون الباطن ، قد أسسوا منار الطريق ، وأظهروا معالم التحقيق ، قاسوا شدائد المجاهدة ، وأفضوا إلى دوام المشاهدة ، عالجوا سياسة الخلق ، حتى هدى الله على أيديهم الجم الغفير ، فهم خلفاء الرّسل فى تجديد الشرائع ، وإحياء الدين ـ جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه. فيقال لكلّ ولىّ من أولى العزم : فاصبر كما صبر أولو العزم من الأولياء قبلك.
قال القشيري : والصبر هو الوقوف لحكم الله تعالى ، والثبات من غير بثّ الاستكراه. ه. أي : من غير إظهار الشكوى والتذكرة. قلت : وأعظم مواطن الصبر عند ورود الفاقات ، وتوالى الأزمات ، وصيانة الوجه عن ذل المخلوقات ، ولله در القائل.
ارض بأدنى العيش واشكر عليه |
|
شكر من القلّ كثير لديه |
وجانب الحرص الّذى لم يزل |
|
يحطّ قدر المتراقى إليه |
وحام عن عرضك واستبقه |
|
كما يحامى اللّيث عن لبدتيه |
واصبر على ماناب من نوب |
|
صبر أولى العزم ، واغمض عليه |
ولبدتى الأسد : جانبا كتفيه.
ويقال لأولى العزم ، حين يؤذون من جهة الخلق : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ...) الآية. وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ...) الآية ، قال القشيري : مدة الخلق من مبتدأ خلقتهم إلى منتهى آجالهم ، بالإضافة إلى الأزلية ، كلحظة ، بل هى أقلّ ، إذ الأول لا ابتداء له ولا انتهاء ، وأىّ خطر لما حصل فى لحظة .. خيرا كان أو شرا؟. ه.
قال الورتجبي ، ثم بيّن أن عند معاينة سطوات القهريات ، لا يهلك فيها إلا الخارجون من نعوت استعداد معرفتى ، حين يحتجبون بظلمات نعوتهم (١) بقوله : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون بالدعاوى الباطلة. ه. وبالله التوفيق ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
(١) فى الورتجبي : ظنونهم.