خاب وخسر ، والاستجابة أقسام ، قال القشيري : فمستجيب بنفسه ، ومستجيب بقلبه ، ومستجيب بروحه ، ومستجيب بسرّه ، ومن توقف عند دعاء الداعي إليه ، ولم يبادر إلى الاستجابة هجر فيما كان يخاطب به. ه.
قلت : المستجيب بنفسه هو المستجيب بالقيام بوظائف الإسلام ، والمستجيب بقلبه القائم بوظائف الإيمان ، والمستجيب بروحه القائم بوظائف الإحسان ، والمستجيب بسره هو المتمكن من دوام الشهود والعيان ، وقول : هجر فيما يخاطب به ، أي : كان يخاطب بملاحظة الإحسان ، فإذا لم يبادر قيد بسلاسل الامتحان. والله تعالى أعلم.
ثم برهن على قوله ، فليس بمعجزه فى الأرض ، فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤))
قلت : (وَلَمْ يَعْيَ) : حال من فاعل «خلق» ، يقال : عى ، كرضى ، وعى بالإدغام ، وهو أكثر. قاله فى الصحاح. وفى القاموس : عىّ بالأمر وعيى كرضى ، وتعايا واستعيا وتعيّا : لم يهتد لوجه مراده ، أو عجز عنه ولم يطق إحكامه. ه. و (بِقادِرٍ) : خبر «أن» ، ودخلت الباء لاشتمال النّفى الذي فى صدر الآية على «أنّ» وما فى حيزّها ، قال الزجاج : لوقلت : ما ظنت أنّ زيدا بقائم ، جاز.
يقول الحق جل جلاله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي : ألم يتفكروا ولم يعلموا علما جازما (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، ابتداء من غير مثال يحتويه ، ولا قانون يحتذيه ، (وَ) الحال أنه (لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) أي : لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلا ، ولم يعجز عنه ، أليس من فعل ذلك (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى) : جواب النّفى ، أي : بلى هو قادر على ذلك ، (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقرير للقدرة على وجه عام ، ليكون كالبرهان على المقصود.
ثم ذكر عقاب من أنكر البعث المبرهن عليه ، فقال : (وَ) اذكر (يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) فيقال لهم : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) ، فالإشارة إلى ما يشاهدونه من فظيع العذاب ، وفيه تهكم بهم ، وتوبيخ لهم ، على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده ، ونفيه بقولهم : «وما نحن بمعذبين» ، (قالُوا) فى جواب الملائكة : (بَلى