(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، (وَآمِنُوا بِهِ) أي : بالرسول أو القرآن. وصفوه بالدعوة إلى الله ـ تعالى ـ بعد ما وصفوه بالهداية إلى الحق والطريق المستقيم ؛ لتلازمهما ، دعوهم إلى ذلك بعد بيان حقيقته واستقامته ، ترغيبا فى الإجابة ، ثم أكدوه بقولهم : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي : بعض ذنوبكم ، وهو ما كان فى حق خالص لله ـ تعالى ـ فإنّ حقوق العباد لا تغفر بالإيمان ، وقيل : تغفر. (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ؛ موجع.
واختلف فى مؤمنى الجن ، هل يثابون على الطاعة ، ويدخلون الجنة ، أو يجارون من النّار فقط؟ قال الفخر : والصحيح أنهم فى حكم بنى آدم ، يستحقون الثواب على الطاعة ، والعقاب على المعصية ، وهو قول مالك ، وابن أبى ليلى ، وقال الضحاك : يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون. ه. ويؤيده قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) كما تقدم فى الأنعام (١).
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) أي : لا ينجى منه مهرب ، وإظهار «داعى الله» من غير اكتفاء بضميره ، للمبالغة فى الإيجاب ، بزيادة المهابة والتقرير وتربيته ، وإدخال الرّوعة. وتقييد الإعجاز بكونه فى الأرض ؛ لتوسيع الدائرة ، أي : فليس بمعجز له ـ تعالى ـ وإن هرب فى أقطار الأرض ودخل فى أعماقها. (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) ينصرونه من عذاب الله ، وهو بيان لاستحالة نجاته بواسطة ، إثر بيان استحالة نجاته بنفسه ، وجمع «الأولياء» مبالغة ، إذا كان لا ينفعه أولياء ، فأولى واحد. (أُولئِكَ) الموصوفون بعدم إجابة داعى الله (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : ظاهر ، بحيث لا تخفى ضلالته على أحد ، حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه ، وجمع الإشارة باعتبار معنى «من» ، وأفرد أولا باعتبار لفظها.
الإشارة : قد استعملت الجن الأدب بين يديه صلىاللهعليهوسلم حيث قالوا : أنصتوا ، فالجلوس مع الأكابر يحتاج إلى أدب كبير ، كالصمت ، والوقار ، والهيبة ، والخضوع ، كما كانت حالة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مع الرّسول صلىاللهعليهوسلم إذا تكلم أنصتوا كأنما على رؤوسهم الطير. قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : «إذا جالست الكبراء فدع ما تعرف إلى مالا تعرف ، لتفوز بالسر المكنون» فإذا انقضى مجلس التذكير رجع كلّ واحد منذرا وداعيا إلى الله كلّ من لقيه ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم يقول لأصحابه : «ليبلغ الشاهد الغائب» (٢) فمن بلغه ذلك واستجاب ربح وغنم ، ومن لا يجب داعى الله
__________________
(١) راجع تفسير الآية ١٣٢ من سورة الأنعام. وانظر فى حكم مؤمنى الجن : تفسير القرطبي (٧ / ٦٢٢٤) و «آكام المرجان فى أحكام الجان» للشبلى النّعمانى.
(٢) جزء من حديث خطبة الرّسول فى حجة الوداع ، أخرجه البخاري فى (الحج ، باب الخطبة أيام منى ح ١٧٤١) ، ومسلم فى (القسامة ، باب تعليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال رقم ١٦٧٩ ، ح ٢٩ ، ٣٠) عن أبى بكرة رضي الله عنه.