(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) ما يوحى إلىّ من القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا بسحر ولا مفترى ، كما تزعمون (وَ) قد (كَفَرْتُمْ بِهِ ، وَشَهِدَ شاهِدٌ) عظيم (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) الواقفين على شئون الله وأسرار الوحى ، بما أتوا من التوراة. والشاهد : عبد الله بن سلام ، عند الجمهور ، ولهذا قيل : إن الآية مدنية ، لأن إسلام «عبد الله بن سلام» بالمدينة. قلت : لمّا علم الله ما يكون من ابن سلام من الإسلام أخبر به قبل وقوعه ، وجعل شهادته المستقبلة كالواقعة ، فالآية مكية.
وقوله : (عَلى مِثْلِهِ) أي : مثل القرآن من المعاني المنطوية فى التوراة ، المطابقة لما فى القرآن من الوعد والوعيد وغير ذلك ، فإنّ ما فيه عين ما فيها فى الحقيقة ، كايعرب عنه قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١) والمثلية باعتبار كونه من عند الله. وقيل : المثل : صلة.
(فَآمَنَ) ذلك الشاهد لمّا تحقق برسالته. روى أنه لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم نظر إلى وجهه ، فعلم أنه ليس بوجه كذاب ، وقال له : إنى سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبىّ : ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أما أول أشراط الساعة ؛ فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب ، وأول طعام يأكله أهل الجنة ؛ فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد ؛ فإذا سبق ماء الرّجل نزعه ، وإن سبق ماء المرأة نزعته ، فقال : أشهد أنك رسول الله حقا ، فأسلم (٢).
(وَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن الإيمان به ، وجواب الشرط محذوف ، والمعنى : أخبرونى إن كان من عند الله ، وشهد بذلك أعلم بنى إسرائيل ، فآمن به من غير تلعثم ، واستكبرتم عن الإيمان به بعد هذه البينة ، فمن أضل منكم؟ بدليل قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ ...) الآية (٣) أو : إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟ ويدل عليه قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، والتقديران صحيحان ، لأن عدم الهداية مستلزم الضلال ، ووصفهم بالظلم للإشعار بعلة الحكم ، فإن تركه ـ تعالى ـ لهدايتهم إنما هو لظلمهم. وقال الواحدي : معنى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) : إن الله جعل جزاء المعاندين للإيمان بعد الوضوح والبيان أن يمدهم فى ضلالتهم ، ويحرمهم الهداية. ه.
__________________
(١) الآية ١٩٦ من سورة الشعراء
(٢) أخرجه البخاري فى (تفسير سورة البقرة ، باب من كان عدوا لجبريل ح ٤٤٨٠) مطولا ، عن أنس رضي الله عنه ، وكذا أخرجه أحمد فى المسند (٣ / ١٠٨) والبيهقي فى الدلائل (٢ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩).
(٣) الآية ٥٢ من سورة فصلت